Author

برنامج الملك للحوار وشراكة «اليونسكو»

|
عندما أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ دعوته لحوار الأديان والحضارات، في إطار مساعيه الرامية إلى نزع فتيل التوتر بين الثقافات، إثر اتساع رقعة الخلاف فيما بينها، خاصة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وما أعقبها من حروب، التي جاءت تحت عناوين محاربة الإرهاب، كان يعي تماما ــ أيده الله ــ إشكالية الحوار في مثل هذه الظروف والمناخات، رغم كل الجهود التي بذلت وتبذل في هذا السبيل، لذلك ولأنه يمتلك كل اليقين بأن الحوار هو البديل الحضاري لحسم كل النزاعات والخلافات طالما توافرت النوايا الحسنة، لتجنيب العالم دموية الحروب وآليات العنف، وبعدما اطمأن ــ حفظه الله ــ بأن هذا المشروع الحضاري والإنساني أصبح يمتلك الأرضية اللازمة لانطلاقه عمليا، فقد سعى إلى تأسيس برنامج الملك عبد الله العالمي للثقافة والحوار والسلام، بالاتفاق مع المنظمة الدولية للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في خطوة لافتة إلى وضع هذا المشروع في إطار ثقافي يشكل عصب القواسم المشتركة بين الثقافات، حيث وقع الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التربية والتعليم رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم الثلاثاء الماضي مذكرة تفاهم مع إيرينا يوكوفا المدير العام لـ''اليونسكو'' في مقر المنظمة في العاصمة الفرنسية باريس لتأسيس هذا البرنامج.. كما أعلن تخصيص مبلغ خمسة ملايين دولار للبرنامج. هذه النقلة النوعية لمشروع خادم الحرمين الشريفين لحوار الأديان والثقافات تأتي بعد أن تعزز إطارها السياسي بدءا من مؤتمر مدريد ولقاء الفاتيكان حتى الآن. وبعد أن استطاع ــ أيده الله ــ أن يدفعه ليكون مطلبا دوليا، لتأتي الخطوة الأهم عبر هذا البرنامج الذي ستأخذه من الإطار السياسي والديني إلى الإطار الثقافي عبر ''اليونسكو'' المنظمة المعنية على مستوى العالم برعاية كل ما يتصل بالتربية والعلوم والثقافة، ليتحول الحوار إلى مادة ثقافية أصيلة في صلب واجباتها الدولية، انطلاقا من قاعدة أن بناء ثقافة الحوار بين الشعوب والأديان والثقافات هي المدخل الحقيقي لصناعة السلام في العالم. الذي يتأمل في مضامين كلمة وزير التربية أمام الدورة الـ85 بعد المائة للمجلس التنفيذي للمنظمة، وتلك الإشارات الواضحة للقضية الفلسطينية وتعقيداتها، التي شكلت عائقا كبيرا في نشر ثقافة السلام والتسامح، والدعوة الصريحة لدعم الحقوق الأساسية في التعليم والثقافة والتراث الفلسطيني، يدرك البعد التربوي لهذا البرنامج الطموح، الذي يسعى إلى توظيف الحوار في فلك التعليم والثقافة والتراث لفك الاشتباك السياسي، من خلال رعاية حقوق الشعوب والمحافظة على هويتها، ولا شك في أن فتح قنوات الحوار كمنهج لثقافة ذات طابع عالمي سيسهم بالتأكيد في حلحلة النزاعات، خاصة حينما يتم احترام الهوية الثقافية للفلسطينيين، وأي شعب محتل، على اعتبار أنه الباب الذي يمكن العبور منه تاليا لحل الخلاف السياسي. إن تتابع خطوات هذا البرنامج ودخولها إلى هذا العمق الفكري بالشراكة مع أكبر منظمة تربوية وثقافية على مستوى العالم، يؤكد حقيقة الوعي المسؤول الذي يتصدى له خادم الحرمين الشريفين من أجل فرض لغة الحوار كلغة دولية وكبديل سلمي للغة السلاح والحروب والدمار، لإزالة الاحتقان والتوترات التي غالبا ما تأخذها الصراعات السياسية إلى أنفاق مظلمة، لا تزال تقود العالم يوما بعد يوم إلى مزيد من النزاعات الدامية، التي تؤجج الفتن، وتباعد المسافات مع السلم والتعايش. وحينما تذهب المملكة في هذا الاتجاه مع ''اليونسكو'' فإنها بالفعل تختار أقصر الطرق لتثبيت الحوار كثقافة دولية، وهذا البرنامج بآلياته وأدواته هو من سيضع هذه الثقافة عنوانا رئيسا من عناوين المنظمة الدولية التي تنضوي تحت لوائها كل دول العالم.
إنشرها