Author

صناعة النشر .. من الإنكار إلى الواقعية!

|
في اللقاء السنوي الموسع الذي يجمع ممثلي صناعة النشر في العالم, الذي تنظمه (WAN – IFRA) وهي شبه منظمة مدنية دولية تجمع أقطاب صناعة النشر في الإدارة والتحرير مع الباحثين والدارسين للإعلام .. في هذا اللقاء الذي تم مؤخراً في هامبورج/ ألمانيا كان هناك التقاء على قناعة جديدة وهي أن الثورة الرقمية الجديدة لن تقتل الإعلام الورقي، بل ربما تكون فتحا جديدا للجرائد والمجلات. إنها نقلة من (الإنكار إلى الواقعية) .. وهي تعكس حيوية الصحافة وقدرتها على الاستفادة من التطورات التقنية الجديدة عبر الاحتواء ثم الامتطاء! وتاريخيا شهدت الصحافة صدمات مماثلة للصدمة الرقمية, فعند اختراع المذياع قالوا حينئذ ماتت الصحافة, لكن عندما أصبح المذياع حديث الصحافة عبر الاهتمام بما يذاع وسوف يذاع ولماذا يذاع, هذا التدفق الجديد للمعلومات عملت الصحافة على تنظيمه وتصنيفه وتحليله وتقديمه للناس .. وهذا حدث مع التلفزيون, والآن ومع طفرة الإنترنت سيعود الناس للصحافة إذا استطاعت أن تلعب دور (المرشِّح والمنظم) وأيضاً المحلل للتدفق الرهيب للمعلومات الذي تشهده الآن وسوف يغمرنا في المستقبل.هذه النقلة المعرفية التقنية أثمرت عن تطور استخدام الحاسب الآلي ومرونته, وقد أحدثت (شركة أبل) عبر تطوير وتقديم الـ (IPAD) فتحا تقنيا جديدا سوف يهيئ للصحافة ولصناعة النشر بشكل عام فرصة استثمارية واعدة, والدخول في هذا العالم الجديد يتطلب الاستعداد الفكري والنفسي، ويحتاج إلى التدريب المكثف للمحررين والكتاب، مع إدخال أساليب حديثة في بيئة العمل وإمكاناتها التقنية والبشرية المساندة. الآن تعمل أكثر من 13 شركة تقنية كبرى لتقديم منتجاتها من المنصات الرقمية الجديدة الشبيهة بـ (IPAD), والتوسع في التطوير والإنتاج بكميات كبيرة سوف ينعكس على التكلفة, إذ يتوقع أن تتراجع الأسعار إلى مستويات منخفضة لتكون في متناول أغلب الناس .. وهنا يكون التحول التاريخي حيث ندخل إلى مرحلة الانتقال إلى تقديم البديل الرقمي المنافس لأشكال المجلات والجرائد القائمة. في تصوري أن هذا في مصلحة صناعة النشر وليس ضدها كما يتصور المتحمسون لموت الصحافة, والثورة الرقمية تقدم مسارا جديدا لصناعة النشر لتقديم المحتوى بما يناسب الأجيال الجديدة ويعيدها للصحافة. ثمة حقيقة وهي أن الإنسان سوف يظل بحاجة إلى المعلومة كحاجته إلى الخبز, وسوف تكون حاجته أكبر إلى وضع المعلومة في سياقات متعددة لكي تكون ذات صلة بالواقع الذي يعيشه الإنسان, فنحن مستقبلا لن نكون مجرد متلقين للمعلومة .. بل نريد أن تكون المعلومة وقود الإنتاج الفكري وذات قيمة مضافة لأفكارنا وسلوكياتنا. وسبق أن ذكرت أن الصحافة ستظل لديها ميزة نسبية وهي أن تعمل على فرز هذا التدفق الرهيب للمعلومات والتأكد من مصداقيته وعلاقته بحياتنا. إذا استطاعت الصحافة أن تستوعب ثورة المعلومات بهذه (الذهنية الإيجابية) فإنها سوف تدخل في حقبة مهمة لتجاوز الجغرافيا وجميع الحدود الثقافية والسياسية والاجتماعية, أي أنها ستكون إزاء فرصة لتقديم المحتوى إلى العالم وليس إلى عالمها الخاص المحدود بالزمان والمكان, وكل ما تحتاج إليه صناعة النشر هو أن تعيد الاهتمام بالمحتوى من حيث جودته ومصداقيته وأهميته لحياة الناس عبر الاستثمار المكثف في تدريب الصحافيين والكتاب وكذلك الاهتمام بجمع المحتوى وتصنيفه وتطوير عقود شراء حقوق النشر الخاصة للمؤلفين والباحثين والكتاب والأدباء والفنانين وجميع فئات المبدعين. الهواتف والحواسب الذكية والمرنة .. كما سهلت للبشرية فرصة الاستفادة من إنتاج الفكر والمعرفة, الآن تضيف نقلة جديدة وتتيح لصناعة النشر البقاء والتطور عبر بيع المحتوى بأسعار متدنية وفي متناول القاعدة العريضة من الناس.
إنشرها