Author

من يحرق القرآن يحرق نفسه والفكر الذي ينتمي إليه

|
أستاذ جامعي ـ السويد
كان لا بد أن أعلّق سلسلة المقالات عن مكامن الضعف لدى العرب والمسلمين للحديث عن نية أسقف مسيحي أمريكي حرق المصحف الكريم في ذكرى تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر). هذا العمود لا يمكن أن يسكت على عمل شنيع كهذا, وموقف كاتبه من هذا الكتاب السماوي وأتباعه ونبيهم الكريم لا يحتاج إلى مقدمة أو توضيح. وكالمعتاد سأحاول تناول الموضوع من وجهة نظر أكاديمية وعلمية بحتة محللا الخطاب (التعليقات) حول هذه القضية التي تشغل الآن دنيا الإعلام والسياسة. في مقالات سابقة قلنا إن العرب والمسلمين ضعفاء في معظم مناحي الحياة العصرية, وإذ نكتب عن ضعفهم، بودنا أن نعيد إلى أذهانهم أنهم أقوياء جدا من ناحية أخرى، أقوى من الجيوش الجرارة والأسلحة الفتاكة لدى الغزاة إن في فلسطين أو العراق أو أفغانستان. وأشرنا في هذا العمود كيف أن ترسانة الأسلحة الجبارة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا هَرَبت أمام ضربات المجاهدين الحفاة في العراق, وكيف أنها بدأت تتلقى ضربات قاصمة في أفغانستان وفلسطين. هؤلاء المجاهدون يطاردهم العالم أجمعه ومن ضمنه بنو قومهم وإخوانهم في الدين. إذا ما السر في نصرهم وهزيمة الجبابرة الذين غزوا أراضيهم؟ السر هو الذكر الحكيم، النص المقدس الذي حفرت آياته أخاديد في القلوب وجعلتها صلبة صبورة مقاومة لا تخشى البشر ومكائد المفسدين في الأرض. القرآن محفور في قلوب المؤمنين به قبل أن يكون محفورا على الورق, وإن أحرقوا الورق فكيف لهم حرق القلوب؟ حتى لو زالت القلوب ــــ أي حتى لو زالت الدنيا فإن الذكر باق. دفاع المسلمين عن قرآنهم دفاع مشروع, لكن دفاع الغربيين عنه وإدانتهم الكنيسة المعمدانية الأمريكية التي تنوي حرقه دفاعا فيه من النفاق والرياء ما لم ينزل الله به من سلطان. ومن المحزن والمؤسف أن نرى بعض العرب والمسلمين وإعلامهم وكتّابهم يسوقون عبارات الإدانة الغربية وكأنها صادرة عن نية طيبة وحسنة, لا يغرنّكم خطابهم لأنه صادر عن نية مبيّتة غير طيبة. قائد القوات الغازية في أفغانستان يرفض عملية حرق القرآن ليس حبا في النص المقدس وأتباعه, إنه يخشى أن يؤدي الحرق إلى مزيد من الخسائر في صفوف قواته وإلا فإنه لكان أغمض عينيه وكأن شيئا لم يحدث. وقس على ذلك بقية الإدانات وعبارات الرفض التي تخشى ردة فعل المسلمين وتأثيرها في مصالحهم الاستراتيجية. رفضهم وإدانتهم غير نابع من نية صادقة ومن الاحترام المتبادل بين الأديان والأفكار والثقافات. انظر إلى موقف بعض الكنائس الغربية الكبيرة, إنها تدين العمل هذا والأشخاص الذين ينوون القيام به لأنه في رأيهم سيؤثر سلبا في موقف الأقليات المسيحية في الدول العربية والإسلامية. ومن أقامهم أوصياء على مسيحيي الشرق؟ مسيحيو الشرق ذاقوا الويلات من المستعمرين الغربيين المسيحيين شأنهم شأن أشقائهم المسلمين. أليس هذا الموقف جزءا من تأجيج الفتنة بين العرب والمسلمين وإخوانهم من المسيحيين الشرقيين؟ مسيحيو الشرق ذاقوا الأمرين من المستعمرين الغربيين المسيحيين نتيجة التدخل الاستعماري لتغيير مذاهبهم وطوائفهم استنادا إلى القوة الاستعمارية. وبعض اللوم لا بل كثيره يقع على العرب والمسلمين من الذين سمحوا للغرب بأن يقسموهم إلى أصوليين ومتطرفين ومعتدلين ووسطيين ... إلخ، وكأن المسيحية الغربية واليهودية تخلوان من المتطرفين والمغالين والأصوليين. يعيبون على المسلمين أنهم يعتقدون بحرفية القرآن ولا يعيبون أنفسهم لأنهم يعتقدون بحرفية الكتاب المقدس, لا سيما العهد القديم منه (التوراة اليهودية). إن آمنت بحرفية التوراة كما يراها المتعصبون الصهاينة والمسيحيون المتصهينون ومنهم من هو جزء من الحكم والإدارة في إسرائيل وأمريكا ويطبقها على أرض الواقع فهذا أمر مقبول كما كان الشأن مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وكما هو الشأن مع وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي أفيجدور ليبرمان. العرب والمسلمون يقبلون بهم ويتعاملون معهم ولا يقبلون بما يصفهم الغرب ''بالمتطرفين'' من بين صفوفهم. إن كان العالم يقبل أمثال ليبرمان لماذا يحارب ويحاصر أمثال حماس وحزب الله؟ ولماذا يهرع العرب والمسلمون وراء التوصيف الغربي ويتعاملون معه وكأنه نص مقدس؟ وهل هذه أول مرة تتمم الإساءة إلى العرب والمسلمين؟ ألم يدس الغزاة في العراق على أقدس المقدسات ومنها الذكر الحكيم في سجن أبو غريب وغزوهم المستمر للمدن العراقية واحدة تلوى أخرى؟ وماذا عن القتلى المسلمين الأبرياء في العراق وأفغانستان؟ وفلسطين وما أدراك ما فلسطين. ألم يسمح هذا العالم الغربي لإسرائيل بالاستمرار في احتلالها الوحشي للأراضي الفلسطينية والعربية لأكثر من 40 سنة حتي هذه اللحظة ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟ وهل هناك صوت علني ورسمي في الغرب وكنائسه يدين هذا الاحتلال الهمجي ويطالب بإنهائه ويفرض على المحتلين العقوبات إن لم يضعوا حدا له؟ نعم، يدينون حرق القرآن علانية لأنه يؤثر في مصالحهم. الأجدر بهم أن ينهوا غزوهم واحتلالهم لأرضي العرب والمسلمين والأجدر بالعرب والمسلمين أن يكونوا على بينة من أمرهم وما يحاك لهم. عيدكم مبارك وإلى اللقاء.
إنشرها