Author

دراسات خطيرة

|
في كل يوم نسمع عن نتائج دراسات وأبحاث جديدة تعلن هنا وهناك منها ما يبدو منطقيا ومنها ما يبدو غير منطقي على الإطلاق فتارة نسمع عن دراسة تشير إلى أخطار بعض الأدوية أو الأطعمة علماً أن تلك الأدوية والأطعمة متداولة في السوق منذ عشرات السنين ولم تمنع، وتارة نسمع عن ظهور نتائج دراسة تشير إلى أن ذلك البرنامج حصل على النسبة الأعلى في المشاهدة، وتارة يتم الإعلان عن نتائج استطلاع عن نسب معينة لأعمال مختلفة تناقض ما هو موجود على أرض الواقع كل تلك التناقضات والاستفسارات أحاطت عديدا من نتائج تلك الدراسات التي تعلن بالشبهات والتحفظات، ومن ذلك ما تم نشره بالأمس من قبل إحدى الصحف عن وجود دراسة تفيد بأن 90 في المائة من السعوديين راضون عن مستوى التعليم، حيث شملت الدراسة 1600 مواطن من حاملي الشهادات العليا، وأوضح الاستطلاع أن 22 في المائة من المشاركين راضون جدا عن مستوى التعليم العالي، و35 في المائة راضون، و33 في المائة راضون إلى حد ما، ولم يبدأ استياء من التعليم سوى 9 في المائة، إضافة إلى 2 في المائة كانوا في حالة استياء تام، وعلى الرغم من هذه النسبة المرتفعة من الرضا والتي قد تتعارض مع ما أعلنته الدراسة نفسها من أن 16 في المائة فقط اعتبروا أن خلفيتهم التعليمية أسهمت بشكل تام في توظيفهم، بينما أفاد 6 في المائة فقط أن التعليم لم يحضرهم جيداً للعمل وهذا الأمر يعد غريباً فكيف نرضى عن تعليم لا يساهم إلا في توظيف 16 في المائة، وكيف يمكن أن يكون هناك رضا من 90 في المائة من المجتمع عن التعليم وأحد أهم أسباب البطالة اليوم هو عدم المواءمة بين مؤسسات التعليم الحالي مع حاجات العمل، ومن الغريب حقاً أن الخبر يذكر وعلى لسان القائمين على الدراسة حرص الطلاب على الارتباط بدراسات وتخصصات تؤدي مباشرة إلى جهات عمل وهذا أمر بديهي، إذ إن الطلاب اليوم أصبحوا على مستوى من الوعي والإدراك في انتقاء التخصصات التي ترتفع من خلالها نسبة توفر فرص عمل فيها فلم تعد القضية بالنسبة لهم في طبيعة التخصص المراد بل في المصير الذي سيؤول إليه بعد دراسة ذلك التخصص وتحديداً مجال العمل. وليست القضية في هذه الدراسة فقط بل سبق ذلك عدد من الدراسات ذات النتائج الغريبة مثل تلك الدراسة التي نشرت في الصحف والتي تزعم أن 93 في المائة من السعوديات يتعرضن للعنف من الأزواج، ودراسة أخرى نشرت عن وضع العاطلات في سوق العمل السعودي تضمنت بعض البيانات غير الدقيقة مما أدى إلى قيام وزارة العمل بالرد على تلك الدراسة وتوضيح عدم دقتها، لذلك فإنني أعتقد ضرورة أن يتم وضع إليه عملية للتأكد من نتائج الدراسات والبحوث المعلنة لمعرفة مصداقيتها وصحتها وذلك من خلال تخصيص هيئة لاعتماد نتائج تلك الدراسات والبحوث بحيث لا يتم الإعلان عن نتائج دراسة أو استطلاع إلا بعد خضوعه إلى المراجعة والتدقيق من تلك الجهات خصوصا أننا نعلم أن هناك مكاتب للدراسات تحرص على الإعلان عن نتائج معينة من أجل مصالح خاصة وأهداف محددة ولذلك تأتي تلك الدراسات غامضة بحيث لا يوضح متى كان وقت الدراسة ولا مكان الاستطلاع ولا تفاصيل العينة وغيرها من الأسس العلمية للدراسات والبحوث. إن لتلك الدراسات خطرا عظيماً إذا لم يتم إعادة النظر في سبل إعلان نتائجها والتأكد من صحتها، إذ إن بعض تلك النتائج تنبي عليه قرارات حاسمة تمس المواطنين وبعضها يرتبط بوضع آليات قد تضر بآخرين وبعضها قد يستغل في مصالح تجارية وبحوث تسويقية، كما أنها تؤثر في مصداقية باقي الدراسات العلمية الحقيقية والتي قد تصدر من جهات علمية موثوقة.
إنشرها