*يرسم شهر رمضان، كل عام، خريطة طريق وافية ويرسخ مؤشرًا جيدا للتعرف على سمات المستهلك السعودي الذي تعصف أنماطه الاستهلاكية بجميع التقديرات والتوقعات؛ المتفائلة منها والمتشائمة, فبالرغم من تزامن عدة متاعب ترتبط بالأزمة العالمية, وحالة الكساد السائدة, وارتفاع أسعار المواد الغذائية, بنسب تقترب من 30 في المائة،، إلا أنه يبني عاداته الاستهلاكية علي التقليد والمحاكاة أكثر منها على قدرته الشرائية وإمكاناته المادية التي غالبًا ما تكون محدودة..!
*المجتمع الإسلامي بلغ ذروة القوة يوم أن كان مجتمعا متآلفا تتآخى فيه العقول والقلوب .. ولكن حين دبت الفرقة فيه وتفتتت وحدته؛ تفككت أواصره وأصبح مطمعا لكل طامع أثيم. كما نذكر بقوة أن الإسلام ينكر على المسلمين أن يعيشوا في عزلة عن غيرهم .. حيث اعتبر مبدأ التعارف الإنساني من مبادئه الكبرى وخاطب الناس جميعا ـــ مسلمين وغير مسلمين: ''يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..''، ولتأكيد هذا المعني دعا الإسلام إلى إقرار السلام في الأرض، لأن السلام بمثابة عهد أمان ومودة بين الإنسان والإنسان في مجتمع التعارف الإنساني.
*لقد جعل المولى، عزّ وجلّ، الصراع جزءًا من طبيعة هذا العالم وسرا من أسرار وجوده واستمراره, والمهم أن نحرص جميعًا, وتحرص كل قوى الخير والإيمان, لأن تكون الغلبة في هذا الصراع الدائر المتواصل, لقيم الخير والحق والمحبة والجمال والسلام ضد عوامل الشر والحقد والدمار, التي يغذيها التعصب والابتعاد عن نبل وسماحة وبهاء التعاليم التي بشر بها أنبياء الله تعالى، عليهم وعلى المصطفى أزكي السلام والتسليم.
* أمضى السعوديون والمسلمون جميعًا أيام شهر رمضان في الطاعات, وتعويد النفس على تقبّل الحرمان لما في ذلك من رياضة لها, كي ترضى بما هو متاح لها, وهذا الأمر هو واحد من الأسرار الأساسية التي تكشف عن القوة النفسية الكبيرة في وجدان البشر, ولأجل ذلك ليست هناك أي غرابة في أن يكون الصيام هو أحد المناسك الأساسية لا في الدين الإسلامي وحده, بل في كل العقائد والأديان التي عرفتها البشرية سواء كانت أديانًا سماوية أو عقائد أرضية وضعية.
* ويبدو لكل ذي عينين أن الإنسان ينطوي على قدرات وطاقات جبارة, لو أحسن استخدامها لكان للناس شأن آخر.. ولأجل هذا؛ فإن الهدف مثلاً من عمليات التطوير والتحديث, التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, هو إتاحة أفضل الفرص الممكنة أمام الإنسان السعودي كي يستطيع أن ينمو, ويتطور, ويبدع, وأن يطلق لطاقاته الخيالية العنان, فليس صحيحًا أن التخلف, أو سوء الوضع في مكان ما, أو مؤسسة ما من مؤسسات الدولة, هو بسبب نقص الإمكانات.. كلا, فالسبب الرئيس والجوهري هو عدم وجود خيال, وعجز العاملين أو القيادات عن إلهاب خيال العاملين معهم وإطلاق طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية, فلو حدث هذا لأمكن التغلب على مشكلات كثيرة, ولأمكن أن يتسع المجال أمام هؤلاء كي يزداد إقبالهم على عملية تطوير العمل والأداء في أماكنهم!
* القضية في الأول والآخر, ليست في الإمكانات, بل في الفكر الصحيح الحر الخلاق .. وكل إنسان يستطيع أن يفكر بشكل حر قادر على الإبداع، فليس المفروض أن يكون الجميع عباقرة .. كلا, ولكن على الأقل المطلوب أن يستطيع كل شخص حل أكبر قدر من المشكلات التي تواجهه بقدرته هو الخاصة وبثقته بنفسه.
* إن العيد الذي يهل علينا بعد الغد، مناسبة كي نستمتع بحياتنا, والمهم أن نعرف كيف نستمتع ... فالمتعة تتحقق بالعمل, والمثابرة, وإخلاص النية, وصدق العزم, وبالإقبال القوي على الحياة.
* في العيد يجب أن نستمر في التحلي بأخلاقياتنا ونواصل سلوكياتنا في رمضان, بل أن نقضي العام كله بأخلاق الصيام, فهذه الأخلاق، هي الحكمة المبتغاة من تشريع هذا الركن الأساس من الإسلام.
* لنتذكّر في هذا اليوم البهيج، أيتامنا وأيتام المسلمين, ونرعاهم بما نرعى به أولادنا, ونفكر فيهم, كما نفكر في أنفسنا.
* إن الله تعالى، أراد لنا أن ننتج الفرح في مجتمعاتنا, ونبتعد عن إثارة الفتن والمشكلات, ونقترب من بعضنا بعضا, والعيد لا يكتمل إلا بالفرحة وتقارب الناس, ولا يكون صافيا إلا إذا تخلصنا من الخصام والضغينة؛ فالحقد ليس من الإسلام, وكل من يدعو إليه ينحرف عن طريقه القويم.
* فليكن العيد عيد حب, وفرح, وتسامح؛ لذلك علينا ألاّ نحاصر الناس في كل ما يفكرون ويعتقدون, وعلينا أن نعترف بالآخر, وأن نستمع إليه, وأن يكون الحوار معه علميا وموضوعيا, لا حوار تصادم, فالله ـــ سبحانه وتعالى ـــ يقول: ''يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد, واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون''.
* من أجمل ما قرأت في لطائف المعارف: يا شموس التقوى والإيمان اطلعي, يا صحائف الصالحين ارتفعي, يا قلوب الصائمين اخشعي, يا أقدام المجتهدين اسجدي لربك واركعي, يا عيون المتهجدين لا تهجعي, يا ذنوب التائبين لا ترجعي. وكل عام وأنتم بخير.. ورمضان كريم..!