Author

مصداقية دراساتنا الاقتصادية

|
أخبار اقتصادية مختلفة وغير منسجمة مع بعضها تتوارد إلينا نحن المتلقين بين كل ليلة وضحاها عبر وسائل الإعلام المختلفة حول واقع الاقتصاد السعودي، وتحدياته، وآفاقه. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل معدي وناشري هذه الأبحاث والدراسات والتقارير الاقتصادية المختلفة، إلا أنه من الأهمية بمكان الوقوف على منهجيات الأبحاث الاقتصادية المعمول بها في المنطقة، وتأثير ذلك في النتائج المستخلصة. الدافع الرئيس خلف هذه الوقفة المقترحة أهمية مساعدة المتلقي على توضيح أنواع الأبحاث والدراسات والتقارير الاقتصادية المختلفة في عالمنا الاقتصاديـ ليتسنى له الفصل بين ما يؤخذ به من هذا الإنتاج الأدبي الاقتصادي المختلف شكلاً ومضموناً، وبين ما يؤخذ شكلاً ويرفض مضمونا، وبين ما يرفض شكلاً ومضموناً معاً. إنه من الأهمية بمكان مدارسة تعريف البحث العلمي، ومجالاته، ومن ثم الإبحار على عجالة في تعريف البحث الاقتصادي، كأحد أنواع الأبحاث العلمية، وتبيان أنواعه، وأبعاده، ومجالاته. يعرف البحث العلمي على أنه ''دراسة علمية لظاهرة معينة من خلال توظيف منهج علمي للوصول إلى حقائق حول هذه الظاهرة العلمية''. يتضح من خلال هذا التعريف أن البحث العلمي يتعدى جمع مجموعة من المعلومات حول ظاهرة معينة إلى وضع هذه المعلومات في إطار علمي ليتم من خلاله تحليلها، وتقييمها بما يضمن الوصول إلى حقيقة تكون ذات قبول في الأوساط العلمية. يوجد البحث العلمي في خمسة مجالات من مجالات العلوم والمعرفة. حيث توجد مجالات العلوم الاجتماعية، والعلوم الإنسانية، والعلوم الصحية، والعلوم الطبيعية، والعلوم الهندسية. يندرج البحث الاقتصادي تحت مجال العلوم الاجتماعية، عطفا على أن علم الاقتصاد هو في نهاية المطاف علم يهتم بتفسير جانب من جوانب الظواهر الاجتماعية. وبالتالي فإن البحث الاقتصادي يعرف على أنه ''دراسة علمية لظاهرة اقتصادية معينة من خلال توظيف منهج علمي للوصول إلى حقائق حول هذه الظاهرة الاقتصادية''. ينقسم البحث الاقتصادي من منظور منهجية البحث العلمي إلى خمسة أنواع: النوع الأول، ''البحث التجريبي''، وهو بحث علمي يركز على دراسة ظاهرة اقتصادية معينة من خلال إجراء تجربة علمية أو مجموعة من التجارب العلمية''. لعل من الأمثلة الشهيرة على ذلك تجربة نصف الكأس الممتلئ. حيث أجريت التجربة على مجموعة من الأشخاص بهدف دراسة سلوك المستهلك في تفسير الرسائل الدعائية. والنوع الثاني، ''المسح الميداني''، وهو ''بحث علمي يركز على المسح الميداني، كاستبانة معلومات، للحصول على معلومات حول ظاهرة اقتصادية معينة''. لعل من الأمثلة الشهيرة على ذلك ما يقوم به منتدى التنافسية العالمية في دافوس من توزيع استبانة سنوية على مجموعة من رجال الأعمال حول العالم لاستقصاء آرائهم حول تصنيف اقتصادات العالم الأكثر تنافسية. والنوع الثالث، ''البحث الأرشيفي''، وهو ''بحث علمي يركز على تحليل مجموعة من المعلومات الأرشيفية كسبيل لتفسير ظاهرة اقتصادية معينة''. لعل من الأمثلة الشهيرة على ذلك تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي السنوي، المبني على مجموعة كبيرة من المعلومات الإحصائية الأرشيفية حول تطورات منظومة الاقتصاد السعودي. والنوع الرابع، ''البحث التاريخي''، وهو ''بحث علمي يركز على وصف مجموعة من المعلومات التاريخية وصفاً كيفياً لتفسير ظاهرة اقتصادية معينة''. لعل من الأمثلة على ذلك التقارير الدورية التي يصدرها البنك الدولي حول اقتصاد دولة أو مجموعة من الدول، التي تتناول وصف تطورات تاريخية حدثت لهذا الاقتصاد أو ذاك. والنوع الخامس، ''بحث الحالات الدراسية''، وهو ''بحث علمي يركز على تحليل حالة قائمة من خلال وضعها في قالب تحليلي ثم تناولها بالوصف والتحليل بهدف استقراء مستقبل ظاهرة اقتصادية موجودة بالحالة الدراسية''. لعل من الأمثلة على ذلك ما تنشره مجموعة من دور الأبحاث والمشورة الاقتصادية حول مستقبل منظومة الاقتصاد السعودي. تتباين نتائج الأبحاث والدراسات والتقارير الاقتصادية بتباين نوعية منهجية البحث العلمي المختارة بين الأنواع الخمسة أعلاه. وعلى الرغم من هذه الأنواع الخمسة، إلا أن ما يلاحظ في الأبحاث والدراسات والتقارير الاقتصادية المعدة والمنشورة في منطقة الخليج انتهاجها بشكل كبير النوع الثالث، ''البحث الأرشيفي''، دون غيره من الأنواع الأخرى. وعلى الرغم مما يوفره ''البحث الأرشيفي'' من أدوات بحثية جيدة، سواءً خلال مرحلة جمع المعلومات، أو تحليلها، أو تفسيرها، إلا أن التركيز على منهج بحثي واحد قد يفوت الفرصة للاستفادة مما تقدمه منهجيات البحث الأخرى.
إنشرها