Author

قراءة في الدين العام الأمريكي

|
منذ عام 2000، حيث استطاع الاقتصاد الأمريكي أن يحقق فائضا في الميزانية الأمريكية بلغ 86.4 مليار دولار، والدين العام الأمريكي في تصاعد حاد لدرجة أنه أصبح مثار قلق في أنحاء العالم كافة، وأصبح البعض يتحدث عن أن الولايات المتحدة لا محالة في طريقها إلى الإفلاس عندما تواجه أكبر مشكلة دين عام في العالم، وأن ذلك سيتسبب في حدوث اضطراب عظيم في أسواق المال ربما يؤدي إلى انهيار العملة الخضراء. فما حقيقة الدين العام الأمريكي؟ وما المخاطر الفعلية المحيطة بهذا الدين؟ في هذا المقال نقدم قراءة متأنية ومحايدة للدين العام الأمريكي ومستقبل هذا الدين وطبيعة المخاطر التي تحيط بالمستثمرين في الدين العام الأمريكي، وهل بالفعل سينتهي الأمر بالولايات المتحدة إلى التوقف عن السداد وإعلان إفلاسها، أم أن الاقتصاد الأمريكي قادر على التعامل مع هذا الحجم الضخم من الدين العام؟ وما احتمالات تعرض الدول الخليجية لمخاطر ناجمة عن انفجار أزمة للدين العام الأمريكي؟ مع نهاية رئاسة بيل كلينتون الولايات المتحدة كان من الواضح أن إجمالي الدين العام الأمريكي ينمو بمعدلات متناقصة، ففي عام 1995 تزايد إجمالي الدين العام الأمريكي بنسبة 6 في المائة تقريبا إلى 4.9 تريليون (ألف مليار) دولار، وبدءا من هذا العام أخذ النمو في إجمالي الدين العام في التراجع على نحو سريع حتى اقتصر على 0.4 في المائة فقط في عام 2000، أي أقل من 0.5 في المائة، وبدا من الواضح أن الولايات المتحدة في سبيلها للسيطرة على النمو في دينها العام الذي مثل نحو 57 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي في هذا العام. عندما تولى جورج بوش الابن زمام الأمور، ووقعت أحداث سبتمبر 2001 وما تلاها من تطورات، عاد النمو في إجمالي الدين العام الأمريكي إلى التسارع بحيث أخذ معدل النمو في الدين العام يخرج عن النطاق المعقول، ففي عام 2001 كان إجمالي الدين العام القائم على الولايات المتحدة نحو 5.8 تريليون دولار، أي نحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع إعلان الحرب على أفغانستان تزايد الدين العام بنسبة 7.4 في المائة، ومع إعلان الحرب على العراق في 2003 تصاعد الدين العام مرة أخرى بنسبة 9.1 في المائة، وعلى مدى الفترة من 2001 حتى 2007 أخذ إجمالي الدين العام الأمريكي في التزايد على نحو واضح حتى بلغ 8.9 تريليون دولار في 2007، أو نحو 64 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي بمعدل نمو سنوي 7.6 في المائة في المتوسط، ومع انطلاق أزمة الرهن العقاري وما تلتها من أزمة اقتصادية حادة أخذ معدل النمو في إجمالي الدين العام الأمريكي بعدا آخر لم يبلغه من قبل، فخلال السنوات من 2008 إلى 2010 بلغ متوسط معدل النمو السنوي في الدين العام الأمريكي 15.5 في المائة، وهو بكل المقاييس معدل نمو خطير جدا. يتوقع مع نهاية 2010 أن يبلغ إجمالي الدين العام الأمريكي نحو 13.7 تريليون دولار، أي نحو 95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. مع الأسف, فإن تقديرات إجمالي الدين العام الأمريكي في الأجل المتوسط حتى عام 2015 تصل بهذا الرقم إلى نحو 19.7 تريليون دولار، وهو ما سيمثل نحو 102.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في هذا العام. غير أنه على مدى الفترة من 2011 حتى 2015 يتوقع أن يتراجع معدل النمو في إجمالي الدين العام الأمريكي من 10 في المائة تقريبا في 2011 إلى 6.2 في المائة فقط في 2015. هذه المعدلات المرتفعة لنمو إجمالي الدين العام الأمريكي الضخم تنذر بمخاطر خروج الدين العام عن نطاق السيطرة، حتى هذه اللحظة، وأخذا في الاعتبار السيناريوهات المستقبلية، فإن الدين العام الأمريكي يعد محل قلق عالمي كبير، حيث أخذت الشكوك تتصاعد حول درجة استدامة هذا الدين وقدرة الولايات المتحدة على أن تحتفظ بدين عام ضخم دون أن تتأثر أوضاع النمو والتضخم وقيمة الدولار نتيجة لذلك. غير أنه تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لتتجاوز حاجز الـ 90 في المائة، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 52.4 في المائة عام 1940 إلى 121.7 في المائة عام 1946، لتأخذ النسبة في التراجع بشكل مستمر تقريبا، حتى بلغت 32.5 في المائة عام 1981، أي أن الاقتصاد الأمريكي استطاع التعامل مع هذا المستوى الضخم من الدين إلى الناتج، وعادت الأمور إلى نصابها مرة أخرى. ارتفاع الدين العام على النحو الذي نشهده حاليا وبهذه المعدلات المرتفعة هو، كما نرى، ظاهرة ليست جديدة على الاقتصاد الأمريكي، وأنها ارتبطت أساسا بأحداث سبتمبر 2001 وما تلاها من تطورات، سواء على النطاق العسكري أو الاقتصادي، وكذلك بالأزمة المالية العالمية، أو بمعنى آخر فإن هذا النمو الاستثنائي في الدين العام لا يعكس تطورات هيكلية في الاقتصاد الأمريكي تحول دون انعكاس اتجاهات النمو فيه، بحيث يصعب السيطرة على نمو الدين العام في المستقبل، وهذا هو الأهم، فالدين العام في معظم دول العالم يميل إلى التزايد من الناحية المطلقة وبصورة مستمرة، ولذلك نحن لا نهتم بالقيمة المطلقة للدين العام، بقدر ما نهتم أساسا بنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. المسبب الرئيس لهذا الدين المتصاعد هو عجز الميزانية العامة للولايات المتحدة الذي بلغ مستويات تاريخية في العام الماضي، نحو 1.413 تريليون دولار، وتشير السيناريوهات التي أعدها مكتب الميزانية في الكونجرس إلى تراجع عجز الميزانية العامة بصورة كبيرة خلال السنوات الخمس المقبلة، خصوصا مع نمو الإيرادات العامة، بصفة خاصة الضريبية، بعد إيقاف العمل بالتخفيضات الضريبية التي أقرها الرئيس بوش في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث يتوقع أن يتزايد الإنفاق العام من 3.545 تريليون دولار عام 2010 إلى 4.101 تريليون دولار في 2015، في الوقت الذي ستتزايد فيه الإيرادات العامة من 2.176 تريليون دولار في 2010 إلى 3.629 تريليون دولار، ونتيجة لذلك يتوقع أن يتراجع العجز في الميزانية إلى 472 مليار دولار فقط في 2015، ومما لا شك فيه أن تراجع العجز في الميزانية الأمريكية سيساعد على الحد من النمو في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. غير أنه ينبغي الإشارة إلى أن هذه النسب المرتفعة للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي تخفي حقيقة مهمة لا بد أن نأخذها في الاعتبار عند الحديث عن نسبة الدين العام إلى الناتج، وهي أن بيانات الدين العام الأمريكي تنشر بطريقتين: - الأولى: هي الدين العام المملوك بواسطة الجمهور (القطاع العائلي وقطاع الأعمال بما فيه البنوك والأجانب، والاحتياطي الفيدرالي (السندات الحكومية التي يحتفظ بها الاحتياطي الفيدرالي كغطاء لإصدار الدولار). - الأخرى: وهي إجمالي الدين العام، وهو الدين العام المملوك بواسطة الجمهور وبواسطة الجهات الحكومية الأمريكية، أو الدين المملوك بواسطة حسابات حكومية، وأهم هذه الحسابات الحكومية هي صندوق الضمان الاجتماعي الفيدرالي، الذي يحتفظ بنحو نصف قيمة الدين الذي تحتفظ به الحكومة، وإدارة الإسكان الفيدرالي، وصندوق الادخار والقروض الفيدرالي، وصندوق التأمين الصحي الفيدرالي، أو ما يطلق عليه التزامات ما بين الحكومة، ويبلغ الدين العام المملوك بواسطة الحسابات الحكومية في عام 2010 نحو 4.5 تريليون دولار، أي نحو 33 في المائة من إجمالي الدين العام. ومن بين هذين التعريفين للدين العام نهتم أساسا بالتعريف الأول لأنه التعريف أو المقياس الأدق للدين العام. ووفقا لهذا التعريف فإن الدين العام المملوك بواسطة الجمهور يصل في 2010 إلى نحو 9.3 تريليون دولار، وهو ما يمثل 63.6 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع أن يصل هذا الدين عام 2015 إلى نحو 14 تريليون دولار، أو ما يمثل نحو 73 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وهناك عاملان أساسيان يقفان وراء تصاعد الدين العام الأمريكي في السنوات الأخيرة، الأول هو جهود الإنقاذ التي قامت بها الحكومة الأمريكية لمحاولة الخروج من الأزمة, التي أخذت أشكالا عدة منها حزم للتحفيز المالي والتحفيز النقدي وبرامج للدعم ... إلخ، وتقدر بعض التقارير تكلفة الإنقاذ بأكثر من 23 تريليون دولار، وهي تقديرات ربما يكون مبالغا فيها. أما العامل الآخر فهو الإنفاق على الدفاع، حيث يلعب الإنفاق على الدفاع دورا مهما في نمو الدين العام الأمريكي, ففي عام 1985 بلغ الإنفاق على الدفاع في الولايات المتحدة نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع نهاية الحرب الباردة تراجع الإنفاق على الدفاع بصورة واضحة حتى بلغ 3 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عاد الإنفاق على الدفاع ليمثل عبئا متزايدا على الميزانية الأمريكية، حيث أدى الإنفاق العسكري لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان إلى انعكاس هذا الاتجاه التنازلي، وأخذ الإنفاق على الدفاع في التزايد إلى 4.6 في المائة من الناتج في 2009. وعلى الرغم من أن الإنفاق على الدفاع يعد اليوم أقل من معدلاته التاريخية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنه أصبح يشكل أحد أهم جوانب الضغط على عجز الميزانية ومن ثم معدل نمو الدين العام. عندما كانت الولايات المتحدة تفكر في احتلال العراق كانت تقديرات الإنفاق على الحرب تدور بين 50 و60 مليار دولار فقط، وهو ما أغرى صانع السياسة الأمريكي باتخاذ قرار الحرب، غير أن تطورات الأوضاع على الأرض لاحقا أثبتت فداحة التكاليف المالية للحرب. منذ عدة أيام صدر تقرير لوحدة البحوث في الكونجرس عن تكلفة الحرب في العراق وأفغانستان، وقد أشار التقرير إلى أن حجم الإنفاق العسكري في العراق يقدر بنحو 748 مليار دولار، بينما يقدر حجم الإنفاق العسكري في أفغانستان بنحو 304 مليارات دولار، أي أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من تريليون دولار على حروبها في هاتين الدولتين. من ناحية أخرى, تقدر مخصصات الإنفاق على الدفاع المقترحة في ميزانية 2011 بنحو 900 مليار دولار، وهي بلا شك ميزانية ضخمة جدا. الولايات المتحدة تجد نفسها الآن بين خيارين أحلاهما مر، الأول هو أن تقلل من إنفاقها العسكري لأغراض السيطرة على الإنفاق العالم والحد من نمو العجز في الميزانية، ومن ثم تقبل بقدر أقل من الهيمنة العسكرية على العالم، أو أن تستمر على المستويات الحالية للإنفاق العسكري لتحافظ على هيمنتها كقوة عظمى، وفي المقابل تتحمل تصاعد مستويات العجز والدين العام. ومن الواضح أن الحكومة الأمريكية لن تقبل بالخيار الأول، وأن الخيار الثاني ربما يكون أمرا حتميا لها إذا أرادت أن تستمر كقوة عظمى في هذا العالم. والآن هل بلوغ الدين العام الأمريكي هذه المستويات التاريخية ينذر بحدوث كارثة مالية يمكن أن تدفع بالحكومة الأمريكية إلى التوقف عن خدمة دينها العام؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من التأكيد على حقيقة مهمة جدا وهي أن الدين العام الأمريكي سواء الإجمالي أو المملوك بواسطة الجمهور, مقوم كله بالدولار، أي بالعملة المحلية لتلك الدولة، وهذه هي الخاصية الأساسية التي تتمتع بها الولايات المتحدة، من بين دول العالم، بالنسبة لدينها العام. ماذا يعني ذلك؟ إن ذلك يعني ببساطة أن احتمال توقف الولايات المتحدة عن خدمة دينها العام هو صفر في المائة. لأنه، على أسوأ الفروض، إذا ضاقت السبل بالحكومة الأمريكية حيال خدمة دينها العام، فإنها يمكنها ببساطة أن تتحمل قدرا من معدلات التضخم المرتفع في سبيل استيفاء مدفوعات خدمة الدين العام من خلال طباعة الدولار، وتخفيض القيمة الحقيقية للدين العام من ناحية أخرى، لكن الولايات المتحدة لا تنوي أن تفعل ذلك، لا الآن ولا في المستقبل، كما أنها ليست راغبة فيه، لأن الولايات المتحدة لها سمعة مالية دولية تريد أن تحافظ عليها، وتريد دائما أن اكون هناك ثقة بما تصدره من سندات لتجد بسهولة مشتريا لهذه السندات عندما تصدرها. من ناحية أخرى, فإن الولايات المتحدة لا ترغب في أن يفقد الدولار الأمريكي وضعه الدولي كعملة الاحتياط الأولى للعالم، وهي تدير سياساتها النقدية على هذا الأساس، صحيح أن الولايات المتحدة أفرطت في طباعة الدولار الأمريكي ضمن إطار سياسات التحفيز النقدي للاقتصاد للخروج من الأزمة، لكن ''الاحتياطي الفيدرالي'' لديه خطط جاهزة لسحب هذه السيولة حالما يعود الاقتصاد إلى النمو مرة أخرى، حتى يتجنب الضغوط التضخمية التي يمكن أن تنجم عن ذلك. ليس إذن من المستغرب، على الرغم من كل ما سبق، وعلى الرغم من كل ما يكتب عن الدين العام الأمريكي، أن وكالات التصنيف المتخصصة في الديون السيادية في العالم تصنف الدين العام الأمريكي على أنه من أفضل الديون السيادية في العالم. على سبيل المثال أشار التقرير ربع السنوي الأخير لمؤسسة CMA للتصنيف الائتماني إلى أن الدين العام الأمريكي هو ثالث أفضل دين سيادي في العالم بعد الدين العام النرويجي والفنلندي. شخصيا لا أعتقد أن ارتفاع الدين العام الأمريكي على هذا النحو ينذر بحدوث كارثة، وأعتقد أن الاقتصاد الأمريكي قادر على تجاوز هذا القدر من الدين الضخم، وأنه ما إن تبدأ عجلة النشاط الاقتصادي في الدوران وتعود معدلات النمو الاقتصادي إلى مستوياتها السابقة، ومن ثم ترتفع الإيرادات الضريبية الأمريكية، التي تدور حاليا حول 2.2 تريليون دولار سنويا، أي بنسبة 15 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وينخفض أيضا معدل النمو في النفقات العامة من ناحية أخرى، فإن معدلات النمو في الدين العام الأمريكي ستتراجع بصورة ملموسة، ومن المؤكد أن الأمور ستعود إلى طبيعتها يوما ما في الولايات المتحدة، لكن على المدى الطويل. والآن ماذا عن المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها دول مجلس التعاون إذا ما تطورت أوضاع الدين العام الأمريكي نحو السيناريو الأسوأ؟ قبل الإجابة لا بد من الإشارة إلى أن هناك تطورا واضحا في الملكية الأجنبية للدين الأمريكي، ففي عام 1970 لم تكن ملكية الأجانب للسندات الأمريكية تتجاوز نسبة 5 في المائة من إجمالي الدين العام الأمريكي، وفي عام 2000 ارتفعت هذه النسبة إلى نحو 25 في المائة تقريبا. اليوم تبلغ الملكية الأجنبية للدين العام الأمريكي نحو النصف تقريبا، وتتركز هذه الملكية في محتفظات الصين واليابان والمملكة المتحدة والدول النفطية وغيرها من الدول من السندات الأمريكية، هناك إذن تفضيل متزايد لشراء السندات الحكومية الأمريكية من قبل البنوك المركزية الأجنبية، ووفقا لأحدث البيانات المتاحة، فإنه في حزيران (يونيو) الماضي تمتلك الصين 843.7 مليار دولار من السندات يليها اليابان 803.6 مليار، ثم الدول المصدرة للنفط التي تمتلك 223 مليار دولار من إجمالي الدين العام الأمريكي، وتشمل قائمة الدول المصدرة للنفط 14 دولة منها دول مجلس التعاون الست، مع الأسف لا يوجد لدينا تفصيل أكثر حتى يمكن أن نتعرف من خلاله على درجة تعرض كل دولة من دول مجلس التعاون لسندات الدين الأمريكي، لكن البيانات تشير إلى أنه حتى لو تصورنا حدوث أزمة توقف عن سداد الدين العام الأمريكي فإن صناديق الثروة السيادية للدول الخليجية لن تتأثر بصورة جوهرية، على عكس الاعتقاد الشائع. بعض المحللين من المتشائمين يشيع فكرة أن تصاعد الدين العام الأمريكي على هذا النحو سينتهي بانهيار الدولار، غير أنه على الرغم من أن أحلك فترات الأزمة ربما تكون قد مرت، فإن الدولار ما زال متماسكا، بل تتزايد قيمته بشكل تدريجي بالنسبة لباقي عملات العالم، وأنه على الرغم من النمو في الدين العام الأمريكي، ما زال ينظر إلى سندات الخزانة الأمريكية على أنها من آمن الاستثمارات في العالم، خصوصا بعد تصاعد مخاطر الديون السيادية للدول الأوربية، وأن احتمال توقف الحكومة الأمريكية عن خدمة دينها العام احتمال شبه منعدم، ولذلك يقبل المستثمرون الدوليون معدلات متواضعة للعائد على السندات الأمريكية، في مقابل إقراض الحكومة الأمريكية. مرة أخرى، هل فعلا يمكن أن تقرر الحكومة الأمريكية التوقف عن خدمة دينها العام؟ إجابتي عن هذا السؤال هي أن احتمال حدوث ذلك شبه منعدم تقريبا، أولا لأن الدين العام مقوم بالدولار وليس بأي عملة أجنبية أخرى، فالولايات المتحدة ليست اليونان مثلا، التي لا تستطيع طبع اليورو لخدمة دينها العام، الحكومة الأمريكية لديها احتكار لحق إصدار الدولار الأمريكي، العملة المقوم بها الدين العام الأمريكي، ومن ثم فالولايات المتحدة تستطيع بسهولة إذن طباعة عملتها بغرض خدمة دينها وعدم التوقف عن السداد، وهو ما يعني أن احتمال إفلاس الولايات المتحدة إذن احتمال ضعيف جدا. هذا بالطبع لا يعني أن لجوء الولايات المتحدة إلى هذا الخيار أمر جيد بالنسبة لها، على العكس، إن خيار طبع الدولار سيجعل الأمور تسير على نحو أسوأ على المدى الطويل، عندما تأخذ معدلات التضخم في التصاعد وتقل مستويات الاستثمار، ومن ثم معدلات النمو. إن التجربة القاسية التي تعرضت لها زيمبابوي أخيرا نتيجة التضخم الجامح الذي نشأ عن الإفراط في طبع النقود كان لها آثار مدمرة في آفاق الاستثمار والنمو في هذا البلد، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة ليست زيمبابوي حتى تلجأ إلى مثل هذا الخيار المدمر.
إنشرها