Author

أزمة سفينة النسر مفهوم جديد للقرصنة البحرية

|
تناقلت وسائل إعلام محلية أخيرا تصريحا جاء على لسان مالك السفينة السعودية "النسر" المختَطَفة من قِبل قراصنة صوماليين، مفاده أن مؤسسة النقد "ساما" وافقت على أن تقوم شركة التأمين بدفع الفدية البالغة 20 مليون دولار لتحرير السفينة وطاقمها، وهو ما يعد بمثابة تحول كبير يبشر بانتهاء الأزمة ويمهد لإطلاق سراح السفينة وطاقمها بعد معاناة طويلة على السواحل الصومالية. في الحقيقة أن المعاناة التي تمر بها السفينة وطاقمها تعكس خطورة الوضع الحاصل على السواحل الصومالية، وتنامي عمليات القرصنة البحرية ضد السفن التي تمر عبر خليج عدن. هذا إذا ما علمنا أن خليج عدن يُعد من أكثر الممرات البحرية ازدحاما، إذ تعبر من خلاله ما يقارب 21000 سفينة سنويا، ولا يوجد بديل له سوى ممر رأس الرجاء الصالح، وهو خط بحري طويل ومكلف جدا. كما أن السفن التجارية السعودية تستخدم هذا الممر باعتباره بوابة قريبة جدا من الموانئ السعودية على البحر الأحمر. وتنامي نشاط القرصنة البحرية في منطقة خليج عدن هو أمر مقلق، وبحسب إحصاءات قام بها المكتب البحري الدولي، فقد شن القراصنة الصوماليون سنة 2009 ما يقارب من 217 غارة على السفن، بحيث شكلت هذه الغارات أكثر من نصف تحركات القراصنة على مستوى العالم، واختطف القراصنة الصوماليون 867 بحارا في عام 2009. وقد شكلت القرصنة البحرية الحاصلة في الصومال لشركات التأمين هاجسا كبيرا؛ فهي في الغالب من سيدفع فاتورة القرصنة البحرية. ومن ناحية فنية بحتة، فإن التأمين ضد القرصنة البحرية كان يتحدد مفهومه في السابق بالقرصنة التي يكون الهدف منها سلب ما يوجد على ظهر السفينة، إلا أن القراصنة الصوماليين ابتدعوا شكلا آخر من أشكال القرصنة البحرية وهو السيطرة على السفينة واقتيادها إلى السواحل الصومالية، ثم المطالبة بفدية مالية. وهذه الطريقة التي ابتدعها القراصنة الصوماليون أفرزت خلافات كبيرة بين شركات التأمين وملاك السفن المختطفة، خصوصا أن المسألة لا تتعلق بتغطية الخسائر المترتبة على سلب ما هو موجود على ظهر السفينة، بل إنه يتعلق بطلب فدية مالية لإطلاق سراح السفينة وحمولتها وطاقمها كذلك. وهذا أثار نزاعات قانونية بين ملاك السفن وشركات التأمين حول التغطية التأمينية وحدودها. واستدراكا لهذا الوضع الجديد فقد أدرجت شركات التأمين في وثائق تأمينها الجديدة وبشكل صريح التغطية التأمينية ضد الاختطاف وطلب الفدية، علاوة على الأضرار التي تحصل للحمولة، وكذلك المصاريف التي يتكبدها ملاك السفن للوصول إلى إطلاق سراح السفينة، بل وحتى التأمين على مبلغ الفدية أثناء إرساله إلى القراصنة، والذي يتم عادة عن طريق إرسال طائرة خاصة مستأجرة تقوم بإسقاط المبلغ من الجو. طبعا هذه التغطيات قادت في النهاية إلى أن يكون حجم قسط التأمين كبيرا جدا، وهذا أثر بدوره على تكاليف النقل وبالتالي أسعار البضائع التي يتم نقلها. وفي محاولة للتخفيف من حجم القسط الذي تضخم بشكل كبير نتيجة للمفهوم الجديد للقرصنة البحرية، فقد جنحت شركات التأمين إلى تصنيف القرصنة البحرية ضمن المخاطر البحرية، بعدما كانت القرصنة البحرية تُصنف سابقا ضمن مخاطر الحرب، بحيث يتم استبعاد التغطية الخاصة بالأعمال الحربية والإبقاء على التغطية الخاصة بالقرصنة البحرية وهذا خفف قليلا من كلفة التأمين. وقد بينت دراسة أجرتها مؤسسة خدمات أبحاث الكونغرس، أن هناك زيادة في رسوم التأمين عن الرحلة البحرية الواحدة عن طريق خليج عدن بما يتراوح بين 10 آلاف و20 ألف دولار. وبحسب بعض التقديرات فإن رسوم التأمين التي تفرض على الرحلات عبر خليج عدن ضد مخاطر الحرب قد ازدادت خمسة أضعاف بالمقارنة مع الرسوم العادية.
إنشرها