Author

القبول في جامعاتنا .. وحلول مفترضة

|
إحدى أهم المعضلات التي نواجهها كل عام، مشكلة القبول في جامعاتنا لخريجي الثانوية العامة بنين وبنات، وهي مشكلة مستمرة وتمثل أرقا وهما للأسر منذ سنوات عديدة وإن خفت حدتها في الأعوام الأخيرة بعد افتتاح عدد من الجامعات في كل المناطق. في السنوات الأخيرة ولفرز مستوى الطلاب والطالبات المتخرجين من الثانوية، استحدث اختباران هما القياس والتحصيلي لاستخراج ما يسمى بالدرجة الموزونة للطالب، وهذان الاختباران هدفهما، كما يقال، سد الفجوة ما بين مستوى الدراسة الجامعية ودراسة المرحلة الثانوية، فالجامعات، كما يبدو لا تثق بمستوى الثانوية العامة التعليمي، ولهذا قررت إعادة تحديد مستوى خريجيها من خلال اختباري القياس والتحصيلي، وهناك بعض الحق في ذلك بعد الشكوك في المستوى الحقيقي لبعض خريجي الثانوية، ولكن في الوقت نفسه هناك شكوك أيضا في مستوى الدراسة الجامعية ذاتها، فمستوى الطرفين الثانوي والجامعي محل نظر. ما يستغرب له فعلا أن جامعاتنا ما عدا جامعة أو جامعتين، ليست في مستوى يطالب بأن تكون مخرجات التعليم العام عالية المستوى، ومع هذا نجدها تصر على اختباري القياس والتحصيلي كشرط من شروط القبول فيها، فلو كانت هناك فجوة فعلا في المستوى لقدرنا ذلك لجامعاتنا، ولكن الواضح والمؤكد أنها تفرض وتتمسك بهذه الاختبارات حتى تجد مبررا لخفض درجة الطالب الحاصل عليها في الثانوية، بحيث تجد عذرا في عدم قبول ما لا تستطيع استيعابه باسم الدرجة الموزونة، ولا يخفى أن هذه الاختبارات التي تفرضها الجامعات تلقى نقدا واسعا حول مستواها وأهدافها وحقيقة قياسها العلمي حتى من مجلس الشورى الذي لا يراها مناسبة ولا قيمة علمية فيها تتوافق مع متطلباتها جامعيا، فالهدف منها ليس إلا قطع الطريق على أعداد من الطلاب والطالبات من الحصول على مقاعد كمنتظمين، ومن أجل دفعهم لمسارات أخرى مدفوعة الأجر، كالانتساب والدبلومات التي لا تحقق طموح أكثرهم، خصوصا من صغار السن. هناك من يقول إنه من الخطأ أن يتوجه كل خريجي الثانوية للجامعات، ويضرب مثلا بدول أخرى متطورة تكون الجامعة خيار ثلثهم فقط، وهذا صحيح ولكن ينسى بأنه توجد في تلك الدول مسارات وخيارات أخرى تقوده لسوق العمل مباشرة، وهو ما ليس متوافرا لدينا إلا في نطاق محدود، فالمسار التقني والمهني جذبه محدود بسبب عدم وضوح مساره في مستقبل الشاب والشابة مع تغير مناهجه دوما وقصر مؤهله بدورة وليس بدرجة بكالوريوس والتي هي طموح الجميع، والتعليم الجامعي الخاص تقف مغالاته حجر عثرة أمام الكثيرين ممن يجد إرسال ابنه لإحدى دول الجوار أرخص بكثير، ولهذا ليس أمام طلابنا وطالباتنا إلا الجامعات الحكومية. للخروج من هذه المعضلة الموسمية لا بد من اجتراء حلول توفق ما بين كل المتطلبات، من هذه الحلول أن نقلص من الابتعاث للبكالوريوس ونوجه مبالغه الباهظة لتوسيع قدرة جامعاتنا الاستيعابية وجعلها قادرة على قبول أعداد أكبر وتطويرها، ومنها أيضا أن الطلاب الذين لم تؤهلهم درجتهم الموزونة للانتظام في الجامعات أن تتاح لهم الفرصة لكي ينخرطوا في سنة تحضيرية دون مكافأة مالية ومن يثبت جدارته يضم للدراسة الجامعية ومن لا يثبتها يحول للانتساب إن أراد، وهناك الكليات التقنية التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني التي يمكن أن تضم للجامعات لتصبح إحدى كلياتها حتى يمكن لها أن تمنح درجة البكالوريوس الجامعية لكون المؤسسة جهة تدريب وليست جهة تعليم وحتى تتفرغ بشكل كامل لمهمتها الأساسية وهي التدريب، هذه في تصوري بعض الحلول التي أعتقد أنها يمكن أن تسهم في حل جزء كبير من مشكلة ما بعد الثانوية العامة، وليس في وضع إعادة تقييم خريجي الثانوية عبر اختبارات هناك إجماع على عدم جدواها. إن حرص الدولة وخاصة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على التوسع في التعليم الجامعي هو ما دفعها لفتح باب الابتعاث الخارجي، ولعل أهم سبب هو عجز جامعاتنا عن استيعاب الأعداد المتزايدة في كل عام، وأظن بأن الابتعاث يجب أن يكون حلا مؤقتا وليس دائما إلا لتخصصات ونوعيات معينة، ويبقى الهدف الأساسي والاستراتيجي لتعليمنا وخاصة الجامعي منه أن يكون قادرا على استيعاب كل أبنائنا وبناتنا ولكي نستغني عن إرسال عشرات الألوف منهم للخارج نعرف مدى سلبياته على بعضهم، وأن يقتصر على الابتعاث للدراسات العليا وفي علوم محددة. كل من لم يجد فرصة من أبنائنا وبناتنا لإكمال تعليمهم الجامعي كمنتظمين سيشعرون بخيبة أمل ووضع حجر أمام طموحهم، والحلول البديلة ومنها الانتساب لا تناسب الكثير منهم، ومع التقدير للجهود المبذولة لاستيعاب أكبر عدد من خريجي الثانوية هذا العام، إلا أن على وزارة التعليم العالي ألا تغفل بأن هناك آلافا بقوا خارج أسوار الجامعات والكثير منهم بسبب الدرجة الموزونة التي حطت معدلهم من عل عن طريق اختباري القدرات والقياس.
إنشرها