Author

فرنسا تنقلب على مبادئ فولتير!

|
يعد الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير المتوفى عام 1778م من منظري الثورة الفرنسية، علماً أنه توفي قبل اندلاعها بأحد عشر عاماً، فقد كان رمزاً من رموز الحرية ومحاربة التطرف الديني. وعلى الرغم من محاربته للتعصب فقد نشر مسرحية استهزأ فيها برسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن فيما عدا ذلك من خلال كتاباته، فقد كان منصفاً للإسلام ولرسوله، وكان هدفه من المسرحية هو الهجوم على الكنيسة ولكن بطريق غير مباشر، حيث كانت هنالك مراقبة شديدة لأي نقد، وقد أوقفت الكنيسة تلك المسرحية. فالذي يهمنا كثيراً ليس علاقة فولتير بالأديان بل دفاعه عن الحرية وحقوق الإنسان. فالذي نشاهده في السنين العشر الأخيرة في بعض الدول الأوروبية وفرنسا على وجه التحديد، من ظهور انتقائية مريبة في محاربة المسلمين وجميع مظاهر الانتماء الإسلامي، حتى أصبح الرئيس الفرنسي (يفتي) في أن النقاب عادة دخيلة على المسلمين!، وقد فضح النقاب زيف الديمقراطية التي طالما تتشدق بها فرنسا، بل كانت رمزاً لثورة 14 تموز، وقد كان تصويت البرلمان الفرنسي على تجريم النقاب انتكاسة لمبادئ منظِّر الثورة فولتير (حيث لا يؤمن أن تتصرف أكثرية في حقوق الأقليات). ويعد القرار نوعاً من التسلط والمزايدة في الحصول على بعض الأصوات، لأنه لم يعترض على مظاهر التدين عند المسيحيين في لبس الصلبان، وكذلك غلاة اليهود في لبس الطاقية (خطوط حمراء) أو السيخ في لبس العمامة وإطالة الشعر. أما إدعاؤهم بأن البرقع (وفي المستقبل الحجاب) كبت وتجاوز لحرية المرأة وحمايتها، فهو عذر أقبح من الفعل، كما أنه مرفوض وخصوصا أن المرأة هي التي اختارت ذلك ولم يفرض عليها من إنسان، وكذلك فإن التحرش الجنسي (الذي تحتاج فيه المرأة إلى الحماية) يحصل مع المتزينات المتجاوزات بحرياتهن على الرجال. بل هل من الحرية أن تحبس الفتاة الحسناء في فاترينة عرض الأزياء؟ فهذا هو التجاوز لحريات النساء واستغلال ظروفهن!. فالقضية المهمة هو أنه في الوقت الذي ننادي به نحن - العرب والمسلمين -بالتسامح واحترام الآخر وكبت جماح التطرف في مجتمعنا، وهذا ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين في كثير من المناسبات، بل وتبنته المنظمات الإسلامية، نلحظ على النقيض من ذلك موجة التطرف المسيحي المتصهين ممثلاً بالرؤساء وأعضاء البرلمانات يتنافسون بل ويتزايدون في محاربة الآخر من أجل الحصول على المزيد من الأصوات. وهذا يعد اجتثاثاً لأصول الديمقراطية التي حررت أوروبا من سيطرة الكنيسة والنبلاء، وجعلت لكل إنسان قيمة حتى تقدمت أوروبا، بل إن أحد أهم أسباب الحربين العالميتين الأولى والثانية هو الدعوة للعنصرية وتفوق طائفة على الأخرى، كما أن الحرب الأخيرة التي خاضتها أمريكا وحلفاؤها في العراق وأفغانستان كان وراءها دوافع دينية عنصرية متطرفة، استطاعوا عن طريقها وأد الحرية في الدول الغربية تحت مسمى حماية الأمن القومي ومحاربة الإرهاب، وتأصيل نظرية صراع الحضارات. فمثلما ضحى فولتير وغيره من المفكرين الغربيين في محاربة التطرف والغلو، حتى قتل بعضهم وتشرد الآخر، سيخرج منهم من يوقف تلك الموجات الهوجاء ويحرر المجتمع الغربي من العودة إلى الانغلاق في وقت العولمة، وألا يكون هنالك مكان لتلك الأصوات النشاز التى أخذت الطابع الرسمي وتتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن المؤسف جداً أننا وجدنا الكثير من الأقلام الأوروبية قد انتقدت تلك الموجات العنصرية واعتبرتها تجاوزاً للحريات، بل ولا يجوز أن تصوت البرلمانات أو الأكثرية ضد حقوق الأقليات، ولكن لم نجد إلا القليل من الأقلام العربية من رد على تلك التيارات العنصرية.
إنشرها