Author

حربٌ جديدة: البلاك بيري ضدّ الحكومات!

|
.. إندونيسيا صرّحتْ عبر سلطاتها المختصة بأنها ستتبع الريادة التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، بمنع بعض استخدامات البلاك بيري المخصصة للتواصل والنشر الأثيري، وهما أهم خصائص هذا الجهاز الذي كنت أقرأ عنه في القصص والأخبار الأمريكية والكندية منذ أكثر من ثماني سنوات، وأتعجب حتى من الاسم ويعني ''العليقة السوداء''، وهي نوع من الثمر الوحشي الصغير ينمو كالكرز بلون أسود فاقع. والبلاك بيري جهاز يدوي لاسلكي ظهر للعالم في عام 1999م، الأول من نوعه حينها الذي يتيح تبادل الرسائل الإلكترونية وهاتف محمول ورسائل نصية وحتى الفاكس عبر الإنترنت وطبعا محرك البحث في شبكة الإنترنت، وخدمات معلوماتية متعددة، حتى إنه يمكن نقل البورصة العالمية كاملة، والتواصل مع قنوات الأرض التلفزيونية خصوصا في أوروبا وأمريكا الشمالية التي انضمت لباقة مشتركي البلاك بيري، وحتى المجلات المحترمة مثل التايم والفورتشن وفوربس وبعض المراكز السياسية والاقتصادية المتخصصة لها ما يسمى بجوالها الخاص، حيث تصل الأخبار والتحليلات عبر هذا الصندوق الصغير ذي الأزرة اللؤلؤية السوداء.. صندوق يدخل إليه العالم، ويخرج منه العالم بلا رقيب، إلا ذاكرة واحدة هائلة في الشركة الكندية المصنـِّعة ويجول بحرية تقريبا داخل الدول، وليس له إلا ذاك الخادم الوحيد في الشركة التي يعرفها مستخدمو البلاك البيري الذي هزّ النوكيا الفنلندية العتيدة عن عرشها هزاً باسم ''ريم Rim'' اختصار لاسم الشركة الكندية التي انفتحت أمامها أنهارُ الذهب من هذا الجهاز. والشركة حتى اسمها غريب وهو'' البحث لا يقف Research In Motion''، ونعم البحث لا يقف إلى درجة أنه وصل إلى تخوم وحصون الدول في أهم خنادقها، ومن هنا بدأت الحربُ، حربٌ جديدةٌ وسافرةٌ بين الدول والـ ''ريم''. أما سبب هذه الحرب التي بدأتها الإماراتُ ثم المملكة العربية السعودية وها هي إندونيسيا، وأنا متأكد ستتبعها دول كثيرة عربية وغير عربية، بل هو محظور مسبقا في الصين وفي فيتنام وأظن في إيران دون تأكيدات رسمية، ويقال إن روسيا متضايقة جدا من استخدامات البلاك بيري في أمور تخص الشبكات الإجرامية وبعض الأسرار الوطنية، وفي جامايكا وجزر الكاريبي، ووسط أمريكا تزدهر فعلا الاتصالات السرية بشفرات باللغة المحكية هناك، يستفيد منها أصحاب ملاذات الأموال المهرَّبة والمغسولة أو التي في طريقها للغسل، وربما المخدرات، وبالفعل هي محتملة الوقوع إلا أننا لا نملك إثباتا مسجلا حتى الآن.. ولكن غيظ السلطات يبرر هذه الأخبار.. وفي الإمارات - أتصورُ أنا - أن الصبرَ نفدَ من اختراقاتٍ أمنية، فيدورُ أن في دبي ترتع عصاباتُ المال والمتاجرة بالبشر وتنظيف الأموال، وحكومة دبي الزاهرة ترفض ذلك بالطبع رفضا تاما، ولكن هذه نتيجة متوقعة من مدينة أخذت السِمَة العالمية المفتوحة، على أننا يجب أن نقرّ بأن السلطاتِ الأمنية في دبي متطورة جدا في تتبع ما نسميه الآن بالجريمة الإلكترونية؛ وربما وصلت الأمورُ إلى حدث بذاته، أو اختراق معين، أو أن السلطاتِ ضبطت أموراً لا يمكن التغاضي عنها أمنيا، فأطلقت غضبها واحتجاجها بعد دخول ''البلاك بيري'' للمنطقة عبر دبي أولا، وقالت: ''هيه، كفى.. نحن هنا. لا يجب أن يدور شيء في هذه الإمارة دون أن يكون لنا تحكم فيه!''. وبرأيي هذا معنى سيادة الدول، أن تتحكم في ما يدور في الداخل، ولا أحد يعترض على ذلك، وزادتها الـ ''ريم'' حبّتيْن بأن كل معلومات تدور في الدولة لا تعلم عنها الدولة، وهي خازنتها الوحيدة هناك في برد كندا. وهذا أمر بالنسبة إلى أي مسؤولٍ أمني في أي بلد في العالم أمرٌ لا يطاق.. هذا من جهة.. ومن جهة أخرى، الشركة ترد ببراءة، وربما صدقناها، يا جماعة والله أنا لا تهمني هذه الأخبار، فلست وكالة تجسس ولا تعنيني أمور السياسة والاقتصاد والجيوبوليتك، أنا شركة على باب الله أترزق مع المرتزقين لا أقل ولا أكثر، ولقد كان من حظي أن أفوز بهذه التقنية وبهذا الخادم (السيرفر) وهبطت علي زكائبُ المال.. ثم إنه مصدر رزقي، وبالتالي يجب أن يكون منافسا ووحيدا حتى أضمن السوق أو أكبر حصّةٍ منه، فلو شاع وذاع.. لضاع! وإني مع تفهمي لموضوعكم ولكن البروتوكول الخاص بـ ''ريم'' (أي صيغة البرنامج ولوغاريتماته) فريدة ولا تتطابق مع الخوادم الأخرى، وبالتالي فإن تنفيذ شروطكم سيضرب الشركة على أم دماغ مصدر كسبها!''. والمفاوضاتُ جارية، ولكن بعد أن سُنـَّتْ القوانينُ ضد البلاك بيري، وربما كان الحل وضع خوادم إقليمية في كل بلدٍ تشرف عليها أو تتدخل فيها سلطات البلد.. ولكن من يعتقد أنه يقبض على زمام تنـّين التكنولوجيا، نقول له : آسفون.. لن تستطيع! الدرسُ الذي يجب أن نعرفه أننا في عالم جديد، وستتلاشى من القاموس القادم في العالم كلمة أسوار، وكلمة رقابة، وكلمة تحكم، وعلينا زرع مفاهيم جديدة للناس ومن يقوم على أمور الناس، فكما هو اسم الشركة المشكلة ''ريم''.. فقدر الدنيا أن ''البحوث لا تقف!''.
إنشرها