مدير الكرة.. ما له وما عليه
ويعتبر ما يقدمه مدير الكرة هو الدعم اللوجستي للاعب. وكلمة لوجستي Logistic هنا ــ تعنى الدعم الجانبي المساند ــ حيث إن الجوانب النفسية والفكرية والمعنوية تشكل أهمية كبرى، تتطلب أن ترتفع هذه الإدارات وعلى رأسها مدير الكرة إلى المستوى المطلوب، بل أصبح منصب مدير الكرة منصباً يشكل أهمية كبرى لخصوصية الدور الذي يقوم به، بل أصبح في مضمونه يشكل رافداً من الروافد التي تعتمد عليه إدارات المنتخبات والأندية.
وبالطبع يجب على من يعمل في هذا المنصب أن يملك مؤهلات رياضية وفنية وإدارية وتجربة غنية طويلة في هذا المجال. وفي ظل الاحتراف يجب أن يكون مدير الكرة متفرغاً تماماً لهذا العمل، تندرج وظيفته في تصنيف المحترفين، لأنه يتعامل مع أجهزة فنية محترفة، ولاعبين محترفين، وأجهزة طبية محترفة. وحتى لا يحدث خلل إداري في هذا المنظومة، نتعامل مع هذا المنصب باحترافية في المضمون وفي الجوهر، وهو حلقة الوصل بين مجلس الإدارة والأجهزة الفنية والطبية واللاعبين. ومدير الكرة يعد هو القائد الفعلي لمجموعة اللاعبين، بل السند الإداري للأجهزة الفنية والطبية العاملة والمرافقة للمنتخب أو فريق النادي. ويعد القائد الإداري لهذه المجموعة وبالتالي تشمل قيادته عناصر كثيرة تخلق أنماطاً متناسقة لنشاطات وفعاليات العمل الإداري في هذه الإدارة، كما يشارك في كثير من القرارات المهمة والمؤثرة مثل اختيار اللاعبين الأجانب بالطبع بالتشاور مع المدير الفني، وينعكس تأثيرها على نشاطات كامل المجموعة من لاعبين وغيرهم. بل ربما يكون لها تأثير في سلوكيات هذه المجموعة، وأن لم تضبط بمعايير واضحة ومنضبطة قد تختل موازين الأمور الإدارية وربما الفنية أيضاً.
وحتى لا يحدث الخلل مثلما هو حاصل في القنوات الرياضية والتي أخذت تختار لاعبين قدامي ليكونوا محللين فنيين، فنستمع للعجائب والغرائب والآراء التحليلية الخاطئة التي تستفز مشاعرنا (لي عودة لهذا الموضوع في مقال منفصل). مع التقدير والاحترام لبعض منهم فليس كل نجم سابق يصلح أن يكون مديراً للكرة، مع احترامي للجميع، لأن هذا المنصب يتعلق بعمل إداري ومهام ونشاطات إدارية تشتمل على مجموعة واسعة من المواضيع، وتعد عاملاً حاسماً في تحقيق الانسجام في الفريق، فجانب المهام العادية والمتعلقة بتنفيذ النظم واللوائح خاصة الصادرة من الاتحادات الأهلية والقارية والاتحاد الدولي، والإشراف على تطبيق بنود الاحتراف الداخلية والخارجية، وتوفير الاحتياجات الخاصة بالطاقم الفني واللاعبين، والتشاور معها حول أوضاع وتفهم الرؤية الفنية للمدرب ومناقشته دون المساس أو التدخل في عمله، وتنفيذه لرؤيته الفنية، وأيضاً المتابعة الإدارية فيما يخص تنفيذ المتطلبات المالية والفنية للفريق والأجهزة الفنية واللاعبين، إلى جانب رفع التقارير الأسبوعية أو الشهرية أو السنوية لإدارة المنتخب أو النادي.
لابد لمدير الكرة ومجموعة عمله أن يكونوا مهيئين ومزودين بمجموعة كبيرة من الأدوات والمعدّات القياديّة، حتى يتمكنوا من التعامل مع الأحداث بطرق احترافية، وتحقيق النتائج الإيجابيّة والتميّز.
ويمكن الاستعانة بهذه الأدوات:
- إعداد الاستراتيجيّات للعمل الجماعي، وتنشيط دور اللاعب في الفريق وخارجه، ورفع المعنويّات والتّحفيز، ومتابعة بعض الإجراءات الرسميّة، وإعداد وتقديم التقارير والدراسات التي تسهم في تطوّر وتقدّم الفريق، وتبسيط مهمّة المدرّب والطبيب واللاّعب، حتى يكونوا على قدر كبير من المعرفة بفن التعامل مع الأطراف الأخرى ذات الصلة، ومنها العلاقات بالآباء، خاصة أن الآباء، بل جميع أفراد الأسرة لهم دوري إنمائي ووقائي وإرشادي مهم جداً يشبع الحاجات النفسية للاعب، وعامل من عوامل الدعم المعنوي، ووسيلة رقابية ضرورية للسلوكيات العامة للاعب، وعلاقات اللاعبين بعضهم مع بعض، وإعداد متطلبات ما قبل التمرين وما بعد التمرين أو المباريات، وداخل المعسكرات وخلال أسفار الفريق لأداء معسكرات أو مباريات خارجية.
وهناك أمور تربوية مهمة ودور فاعل يجب أن تقوم به إدارة الكرة في منتخباتنا وأنديتنا يتمثل في عدم جعل لاعب كرة القدم أداة لتنفيذ برنامج رياضي يحقق النتائج الإيجابية في المباريات فقط، بل علينا أن نجعل من لاعب الكرة المواطن رياضياً متكاملاً في صفاته الإنسانية، وأن نساعده ببرامج تطور من مستواه الفكري مثل برامج تطوير الذات: وهو تطوير النفس بالنسبة للذين يريدون تطوير أنفسهم والآخرين من حولهم، من خلال استخدام تقنيات وطرق للمعرفة، واكتشاف طرق وأساليب للتعامل مع الحياة والنّاس.. ولتطوير الذهن بطرق واعية وروحانيّة. وبهذا يكون لدينا قدرة أكبر للتعامل مع الأحداث المفروضة من الخارج ولإحداث التطوير من الداخل وبهذا، نكون أكثر تأثيرًا في هذه التعاملات. على سبيل المثال، قد يتعلم اللاعب كيف يفكّر بطريقة إيجابية تجاه الأشياء والأحداث، وبهذا يكون لديه اعتقاد إيجابي تجاهها، إلا أن عقله الباطن قد يفرض عليه شعوراً آخر (سلبياً)، خاصة عندما يذهب للنوم أو للراحة، ثم يبدأ في التفكير والشعور بالألم أو الشعور بالذنب حينما يهدر ضربة جزاء، أو يتسبب في خسارة فريقه في إحدى المباريات. وقد يتصرف أمام الناس دون أن يرى الناس المشاعر والآلام الحقيقية في داخله التي تنتج عن إخفاق في الأداء الرياضي، ويشعر بها وتسببها هذه الإخفاقات.
إن الهدف من تطوير الذات هو القدرة على التعامل مع تلك الآلام أو المشاعر المؤلمة بأسلوب يجعله في صالحه، ويستطيع به أن يقلب الموازين، ويحقق السعادة لنفسه وزملائه، ويتحمل مسؤولياته داخل الملعب وخارجه وفي كل مكان بثبات وثقة.
وهناك برامج استراتيجيات النجاح فهي عبارة عن مجموعة من البرامج مختصة في مجال التغيير والتطوير عند الأفراد، وتتعلق هذه الاستراتيجيات بحياة الفرد وما يمر به من أحداث في حياته، وكيفية التعامل مع تلك الأحداث بأساليب وطرق مختلفة، وبالتالي القدرة على العيش بسلام وتحقيق الإنجازات الرياضية في مجال كرة القدم وغيرها. وتعالج استراتيجيات النجاح الكثير من اهتمامات اللاعب، كعلاقته بنفسه والآخرين من حوله، والاستمتاع بتلك العلاقة وتحقيق طموحاته وأهدافه حسب المعطيات المتاحة وبطريقة إيجابية ومنظمة وهادئة تحقق له السعادة، ولا تتصادم مع قدراته.
ومن البرامج الناجحة ومهمة جدا للاعب برامج سيكولوجيا التميّز، أو سيكولوجيا المهارات: ويتعلق بأسرار وطرق تحقيق الإنجازات والثقة بالنفس وتحقيق الذات أو تطوير الذات عند الأفراد، وهو منهج يعتقد الذين يؤمنون به أنه قوي وفعّال في تحقيق الأهداف، والسيطرة على الأحداث.
وهناك برامج الإعداد الذهني في كرة القدم وبرنامج تقييم الشخصيّة القياديّة عند اللاعبين. ولتثبيت ثقافة التطوير والإبداع والتميّز في البيئة المحيطة باللاعبين، يستطيع مدير الكرة الإبداع في مهمته والسير بها من خلال استراتيجية تحقق الرؤية والأهداف العامة للإدارة العامة للنادي أو المنتخب.
وعليه يجب في من يتولي منصب مدير الكرة أن يكون متفرغاً، وله خبرة إدارية واسعة، وله طريقته الخاصة في التعامل مع المستجدات، وأن يمتاز بصفات ومهارات تساعده على التأثير في سلوك اللاعبين، وتحقيق سياسة الإدارة العامة للنادي بأسلوب يحفظ للجميع حقوقهم ودون أن يسبب أي خلل في العلاقة بين الأطراف المعنية. وهذه المهارات تجعله يجود العمل المنوط به، ويقدم الدعم المعنوي واللوجستي للاعبين، والدعم الإداري للأجهزة الفنية وتنفيذ السياسات العامة لإدارة النادي، خاصة إننا يجب أن نعلم أن القيادة الرشيدة هي عملية تأثير في سلوك الآخرين للوصول إلى تحقيق الأهداف المشتركة والمرغوبة، ولتكن بنشاطات وفعاليات ينتج عنها أنماط متناسقة لتفاعل المجموعة نحو حلول المشكلات المتعددة بطرق لها تأثير لتحقيق الأهداف.
وحيث إن كل قائد لديه أكثر من قوة يستطيع أن يؤثر بها في الناس المتعاملين معه، وكما أوضحنا في سياق هذا السرد أنه يجب أن يتميز بصفات أو مهارات تساعده على التأثير في سلوك من حوله وتحقيق أهداف الإدارة التي يعمل فيها. ولكي يستطيع مدير الكرة أن يؤدي مهمته بنجاح فلا بد أن يحوز أو يكتسب أربع مهارات ضرورية وذلك لكي يبلغ أهداف العمل، ويحقق أهداف الأفراد ويرفع درجة رضاهم من ناحية أخرى، وهذه المهارات هي:
1- المهارة الفنية
هي أن يكون مجيداً لعمله متقناً إياه، ملما بأعمال الجهات التابعة لإدارته من ناحية طبيعة الأعمال التي يؤدونها، عارفاً لمراحلها وعلاقاتها ومتطلباتها، كذلك أن يكون بإمكانه استعمال المعلومات وتحليلها، ومدركاً وعارفاً للطرق والوسائل المتاحة والكفيلة بإنجاز العمل.
2- المهارة الإنسانية
يعنى بها المقدرة على تفهم سلوك اللاعبين وكل من حوله وعلاقاتهم ودوافعهم ورغباتهم، وكذا العوامل المؤثرة في سلوكهم .. لأن معرفته بأبعاد السلوك الإنساني تمكنه من فهم نفسه أولاً، ومن ثم معرفة لاعبيه ثانياً. وهذا يساعد على إشباع حاجات اللاعبين، وتحقيق الأهداف المشتركة.
3- المهارة التنظيمية
هي أن ينظر مدير الكرة للنادي على أساس أنه نظام متكامل، ويفهم أهدافه وأنظمته وخططه، ويجيد أعمال السلطة والصلاحيات الممنوحة له، وكذا تنظيم العمل وتوزيع الواجبات وتنسيق الجهود وإدراكه لمعنى تطويع اللوائح والأنظمة والقوانين من أجل تجويد العمل.
4- المهارة الفكرية
هي أن يتمتع مدير الكرة بالقدرة على الدراسة والتحليل والاستنتاج بالمقارنة، وكذلك المرونة والاستعداد الذهني لتقبل أفكار الآخرين، وكذا عكس أفكار الإدارة العامة للنادي أوالمنتخب وتطويرها حسب متطلبات العصر والظروف.
وهنا سأستعرض أنماط القيادة، وعلى كل مدير كرة الاستعانة بما يراه مناسباً لتطبيق سياسته في إدارته. وقد تعددت أنماط القيادات، وتفرعت بحسب الدراسات التي أجريت وحسب التصنيفات التي تمت، ومنها النمط أو الأسلوب التسلطي الذي يكتسب الخاصية المميزة لسلوك القادة المتسلطين، والتي تتمثل في اتخاذهم من سلطتهم الرسمية أداة تحكم وضغط على الذين يتعاملون معهم من إداريين ولاعبين وفنيين وغيرهم، لإجبارهم على إنجاز العمل وإتباع التعليمات الصادرة في كل ما يخص النواحي الإدارية التي يتولاها. وقد دلت بعض هذه الدراسات أيضا على أن القادة من هذا الطراز لا يستخدمون جميعاً السلطة التي بين أيديهم بالدرجة والشدة نفسيهما وإنما يتفاوتون في ذلك.
وهناك النمط الديمقراطي (الشوري) وهو أسلوب يحد من التفرد بالرأي، ويتيح لأعضاء المجموعة المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات ذات الصلة.
وهناك النمط الدبلوماسي وهو الذي يجمع بين صفات القائد الشورى في مظهره، وصفات القائد التسلطي في جوهره، فهو لبق في التعامل مع اللاعبين، ويعتمد على اتصالاته الشخصية معهم لإنجاز العمل، ومرونته في معالجة المشكلات التي تواجهه في العمل، ويعتقد أن مشاركة اللاعبين له في أداء مهامه وفي اتخاذه القرارات هي وسيلة عملية ومجدية، فهو يقود دفة العمل بشورية متسلطة.
ومن المهام المنوطة بجهاز إدارة الكرة في الأندية والمنتخبات، عمل تنظيم يحتوي على مسميات المراكز، ويوضح العناصر المهمة في منظومة العمل، مثل التخصصيّة، وقنوات الاتصال، والتفويض، والمسؤوليات وغيرها من خلال برنامج إعداد وتطوير اللاعبين، حيث يعكس طموحات وأهداف القائمين عليه.
في ختام كل ذلك، يجب على مدير الكرة أن يكون واسع الأفق يتعامل مع الإعلام بذكاء وحرص واحترام متبادل، ويعرف كيف يزن تصريحاته الصحافية بمعايير دقيقة لأن لها تأثير بالغ في كل الجهات التي تتعامل معه.
في مرات كثيرة أحس بالزهو وأنا أرى عددا من الشباب في العالم العربي، وخاصة قدامي اللاعبين، يتولون هذا المنصب ويقومون بدورهم على أكمل وجه. أتمنى أن يستفيدوا من هذا المقال حتى تكتمل صورة العمل الحقيقي لهذا المنصب لديهم.
كما أن على إدارات الأندية والمنتخبات احترام التقارير المقدمة من مدير الكرة، والتعاون الصادق معه، ومنحه مزيدا من المساحة والحرية لتنفيذ مهمته، إلى جانب التفاهم والتشاور معه في كل الأمور التي تخص العمل وترقيته وتجويده.
مع أمنياتي بالتوفيق للجميع.