Author

«إنت من فين؟»

|
فاجأتني حفيدتي ذات التسع سنوات بسؤال بعد عودتها من مدرستها في جدة "إحنا من فين ياستو؟" فأجابتها أننا من مكة. موقف آخر: صديقتي نجاة من مدينة سيهات، تلقينا تعليمنا الجامعي سويا وجزءا من التعليم العالي، ومضى عقدان على علاقتنا الطيبة ونزور بعضنا وتربطنا صداقة عائلية حميمة، لكن أجد الاستهجان من الأصدقاء وبعض الأهل، ويمطروني بأسئلة: هل تأكلين وتشربين وتصلين معها؟ وكأن نجاة صديقتي من كوكب آخر! ونجاة ابنة الوطن ولدت على ترابه وتُعلم بناتنا في الكليات الطبية. والموقف الثالث عندما لبيت دعوة لجنة التواصل النسائية في القطيف، والتقينا بنسائها، وتجولنا معهن وشاهدنا عالمهن وتجارتهن، أخبرتني مضيفتنا من القطيف أن ابنها رفض الذهاب إلى المدرسة عندما علم أن أحد الطلبة في فصله مذهبه سني، وقصت علينا قصتهم مع جارهم أبو خالد "سني المذهب" الذي يرعاهم كجيران وأبناء أوطان. والموقف النقيض في "لوجانوا" المدينة السويسرية في مدرسة حفيدتي الصيفية التي تهتم في مخرجاتها بالعقول المنتجة ويفاخرون بالطبيبة والعالمة والباحثة والكاتبة. أكثر من 140 جنسية من فتيات العالم يتنقلن كالفراشات من مكان إلى آخر في المدرسة، ينثرن البسمة ويوزعن الفرحة، يتلقين علومهن بعيدا عن التشنج العرقي والديني والتمييز العنصري. نعود للوطن، السؤال هنا: أليس سكان الساحل الشرقي في البلاد مثل غربيها؟ لماذا لا تتوحد كل الجهود والطاقات والإمكانات والأفكار لبناء الإنسان في الوطن؟ وبعد، علينا الاهتمام بضرورة بناء جيل قوي من خلال التأهيل الجاد والنافع لأنفسهم بعيدا عن العرقية والمذهبية, تأهيل الجيل الجديد بثقافة احترام المذاهب والعرقيات والأديان، وتلك الثقافة لا بد أن تبدأ من التنشئة وتكون طويلة الأجل، محفوفة بنشر السلام والإسلام في عقولنا وتفهم ثقافة الغير. أجزم بأن الأمر بحاجة إلى خطة وطنية متكاملة, وليس مجرد اجتهادات فردية, أو أمنيات كتابية. ومشاركة وسائل الإعلام سواء منها المكتوبة أو السمعية البصرية. لا يمكن لنا أن نصل إلى وصفة علاجية وطنية إذا كان بيننا من يسأل "أنت من فين؟".
إنشرها