Author

هل يجب أن تكون نظرتنا إلى الإسلام نظرة موحدة؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
نسمع الكثير عن الإسلام من الإعلام، والإعلام صار اليوم بمثابة بوق منصوب على آذاننا يصدح فيها ليل نهار، إن شئنا أم أبينا. وهذا البوق غالبا ما ننصبه نحن وندفع أثمانه صاغرين. وننساق وراء صنّاعه والنافخين فيه رغم صراخنا وشكوانا ليل نهار من الصوت النشاز الذي يطرق آذاننا. لم يحدث أن انساق البشر وراء خطاب كانسياقهم اليوم وراء الإعلام بأشكاله وأدواته المختلفة. اليوم نحن وجها لوجه أمام أدوات إعلامية لا تكف ولا تكل عن صياحها في آذاننا، اليوم نحن وجها لوجه أمام أصناف من الإعلام لا تكف عن اختراع الأساليب للتأثير فينا. فبعد أن كان لدينا نوعان من الإعلام ـ المقروء والمرئي ـ أصبحنا نواجه الإعلام في أشكال كثيرة ومختلفة أين ما توجهنا. والأنكى من ذلك، يعمد صناعه إلى تجميعه وترتيبه بأشكاله المختلفة في أجهزة صغيرة ودقيقة باستطاعة المرء وضعها في جيبه وحملها أينما سار، اليوم باستطاعتك التواصل مع كل الأطياف الإعلامية وبلغات شتى من خلال جهاز الهاتف النقال. هل يبقى الإسلام ونصه المقدس في منأى عن هذه التطورات الهائلة التي يبدو ألا نهاية لها كما نلاحظ من خلال ما تطرحه الشركات العالمية العملاقة من أجهزة متطورة بين الحين والآخر؟ أي نص، مقدس أو غيره، لا بد أن يتأثر بهذه الهجمة الإعلامية الهائلة. لماذا؟ لأنه صار بإمكاننا، حتى على مستوى الأفراد، نصب أبواق خاصة بنا في آذان الآخرين. أي أن الثورة المعرفية في العقدين الأخيرين مكنت الأفراد من إسماع صوتهم وصراخهم. في الوقت الذي لا نستطيع التخلص من الأبواق المنصوبة على آذاننا، صار بإمكاننا نصب أبواق خاصة بنا في آذان الآخرين. فبعد أن كان نشر صحيفة أو إطلاق قناة تلفزيونية حكرا على الحكومات والشركات ذات رأسمال كبير، أصبح إطلاق صحيفة أو موقع إلكتروني بإمكانه الوصول إلى أبعد زاوية في العالم في متناول أي واحد منا. وهرع الدعاة والشيوخ وأصحاب أفكار وأيديولوجيات، المقبول وغير المقبول منها، للدخول في هذا العالم. وحدث ما كنا نحن المتشبعين بالحضارة العربية والإسلامية نتوقعه ألا وهو هيمنة التسلية، البريء وغير البريء منها، على الإعلام الغربي وهيمنة المواقع الدينية، الصحيح وغير الصحيح منها، على المواقع العربية والإسلامية. وكان من أثرها أن أصبح النص المقدس ونصوص أخرى متعلقة بسيرة الرسول الكريم وأقواله التي يوازي تأثيرها في بعض الفرق الإسلامية تأثير الكتاب المنزل ذاته في متناول الجميع. وعلى أثره كثر المفسرون والشارحون كل يدلو بدلوه وكل له أتباعه وأصحابه ومريدوه. وظهر لنا من حيث ندري أو لا ندري "أنواع" من الإسلام: الإسلام المقاوم، الإسلام المعتدل، الإسلام المهادن، الإسلام التكفيري، الإسلام الوسطي، الإسلام السلفي، الإسلام الرافضي، الإسلام المجاهد، وإلى آخره من التسميات. وفجأة صار للدعاة والفتاوى تأثير في نفوسنا أكثر من تأثير النص المقدس. وانشغل العلماء من محبي الإسلام وقرآنه ورسوله والمتشبعين بأفكاره وحضارته وإمكاناته الهائلة للتغير نحو الأفضل في السلوك الإنساني في أمور بعيدة عن ماهية الرسالة. وما رسالة الإسلام يا ترى؟ في خضم الهجمة الإعلامية الحالية، للإسلام دور كبير يحتاج إليه المسلم ويحتاج إليه العالِم من أمثالي ويحتاج إليه العالَم الذي صار قاب قوسين أو أدنى من ثورة علمية معرفية قد تؤدي إلى هلاكه. رسالة الإسلام قوة هائلة إن استخدمت بشكلها الصحيح لغيرت نحو الأفضل شتى مناحي الحياة وغيرت في الأفراد والشعوب والدول وجعلت منها شعلة تتجه صوب المستقبل المليء بالأمل والازدهار والتطور وليس صوب التخلف والظلام والتبعية والجاهلية. وهذا ما حدث بالضبط للعرب في الجاهلية، حيث غير الإسلام بقوته الخارقة والخلاقة في قوم كانوا يعتقدون أن الوصول إلى الثريا أهون من الوصول إلى العالم المتمدن المتمثل في الفرس والبيزنطيين. لن يكون هناك إسلام واحد يجمع المسلمين وهذه مشيئة ربانية يؤكد عليها النص المقدس. ولكن هناك شيء واحد يجب أن يجمعهم: الإسلام قوة للتغيير نحو الأفضل. الإسلام قوة لمقارعة الظلم وتغيير المجتمع نحو الأفضل وتخليصه من براثن التخلف. سينهض المسلمون إن أحسوا بمكامن هذه القوة في دواخلهم. وهذا ما أحست به قيادة تركيا المسلمة وحدث ما حدث من تطور هائل في هذا البلد في غضون عقد من الزمان. ولن ينهض المسلمون إن ألهوا عن هذه القوة بأمور تعرقل فعل الرسالة في التغيير نحو الأفضل والنظر إلى الأمام. وأستودعكم الله على أمل لقياكم في الجمعة القادم.
إنشرها