قاضي التنفيذ يعيد للأحكام هيبتها

تواصلاً للإنجازات والإصلاحات الوطنية الكبرى للعصر الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - جاء المشروع المتكامل لتطوير مرفق القضاء كنقلة تطويرية شاملة للجهاز القضائي في المملكة، وإزاء تحقيق ذلك على أرض الواقع، فقد اتخذت الجهات المختصة - متمثلة في المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل - عدة إجراءات مهمة لتطوير الجهاز القضائي والمرافق التابعة والمساندة له، وذلك عملاً بنظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/18) وتاريخ 19/رمضان/1428هـ. وتشهد هذه الفترة تزايداً في أعداد القضاة ومساعديهم، كما أن العمل جارٍ بخطى حثيثة لاستحداث محاكم متخصصة ومحاكم استئناف ودوائر لتنفيذ الأحكام والقرارات النهائية، حيث تم خلال العامين الماضيين تعيين قضاة تنفيذ في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة والدمام.
وقد ظلت المحاكم والأجهزة الرسمية السعودية خالية وإلى وقت قريب من قاضٍ متخصص في تنفيذ جميع الأحكام والقرارات المكتسبة للقطعية باستعمال القوة الجبرية فوراً، رغم النص في الباب الثاني عشر من نظام المرافعات الشرعية - الصادر منذ عام 1421هـ بالمرسوم الملكي رقم (م/21) - على مواد تُنظم إجراءات الحجز والتنفيذ عن طريق قاضي التنفيذ.ومن المعلوم أن إجراءات رفع الدعوى الحقوقية تبدأ بقيد صحيفة الدعوى لدى المحكمة أو الجهة المختصة، ثم تلى ذلك مرحلة المرافعة والمدافعة ثم صدور الحكم والاستئناف، حتى يصير الحكم أو القرار نهائياً وقابلاً للتنفيذ بالقوة الجبرية.وقد كان المحكوم له في السابق يبدأ رحلة تطول معاناتها لتنفيذ الحكم إذا لم يبادر المحكوم عليه بأداء الالتزام بعد أن أصبح نهائياً، وتعرف هذه المرحلة بـ (التنفيذ الجبري) وتبدأ بختم - أو تذييل - نسخة الحكم الأصلية بالصفة التنفيذية التي تتضمن عبارة (يطلب من كافة الدوائر والجهات الحكومية المختصة العمل على تنفيذ هذا الحكم بجميع الوسائل النظامية المتبعة ولو أدى إلى استعمال القوة الجبرية عن طريق الشرطة) المادة (196) من نظام المرافعات الشرعية، بعد ذلك يتقدم المحكوم له للجهات التنفيذية - الشرطة/ الحقوق المدنية - بطلب تنفيذ الحكم، ويتم إحالة الطلب إلى - باحث التنفيذ - الذي يقوم بدراسته واتخاذ مجموعة إجراءات لتنفيذ مضمون الحكم، وطلب المحكوم عليه - ثلاث مرات - إلى أن ينتهي المطاف باستصدار أمر بإلقاء القبض عليه إذا لم يُذعن للأمر وإيداعه السجن لحين تنفيذ ما قضى به الحكم.وقد كانت عملية تنفيذ الأحكام تتطلب الكثير من المراجعات والمتابعات وحضور الجلسات قبل إجراءات المزاد، الأمر الذي يجعل من هذه المرحلة صعبة وطويلة ومرهقة في أغلب الأحوال، حيث إنه قد يستفيد بعض المحكوم عليهم من ''عدم فاعلية إجراءات التنفيذ المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية'' والمماطلة لأطول مدة ممكنه قبل تنفيذ مضمون الحكم.إن عملية تنفيذ الأحكام بالقوة الجبرية ليست سهلة وبسيطة في جميع الأحوال، بل قد تكون على العكس تماماً، إذ يلزم العمل على دراسة تلك الأحكام أو ''الصكوك الشرعية'' بشكل متأنٍ ودقيق نظراً لتنوع القضايا واختلاف الحكم فيها، ويأتي دور قاضي التنفيذ عندما يقوم بإصدار القرارات والأوامر الفورية بالحجز على ممتلكات المحكوم عليه من أموال ثابتة أو منقولة بالقوة الجبرية، وذلك بناءً على حكم أو قرار نهائي صادر من جهة مختصة، ثم يتم التنفيذ على تلك الأموال بقدر المبلغ المحكوم به، فإن كانت أموالاً نقدية ''مثلاً'' أُخذ منها بقدر مبلغ الحكم وسُلمت للمحكوم له، وإن كانت منقولات أو عقارات بيع منها لصالح المحكوم له بقدر مبلغ الحكم وفق إجراءات البيع بالمزاد العلني.وتبدأ عملية الحجز التنفيذي بعد صدور الحكم أو القرار النهائي مختوماً - مُذيلاً - بالصيغة التنفيذية، بعدها يتقدم المحكوم له بطلب تنفيذ الحكم - للشرطة/ الحقوق المدنية - ثم يجرى طلب المحكوم عليه من خلال رئيس القسم أو العمدة الذي يقوم بالتبليغ بطلب التنفيذ خلال مدة محددة، ''ويجب أن تتم مراعاة قواعد التبليغ بشكل صحيح لتتحقق آثاره النظامية''.
وفي حال عدم استجابة المحكوم عليه بالتنفيذ خلال المدة المحددة، فإنه يُعد مماطلاً، وبالتالي - يحق - للمحكوم له المطالبة بإحالة ملف التنفيذ إلى الجهة المختصة للحجز على أموال المحكوم عليه، ثم التنفيذ عليها طبقا للمادة (202) من نظام المرافعات الشرعية التي تنص بأنه (يجوز لكل دائن بيده حكم قابل للتنفيذ بدين مستقر في الذمة حال الأداء أن يطلب حجز ما يكون لمدينه لدى الغير من الديون ولو كانت مؤجلة أو معلقة على شرط، وما يكون له من الأعيان المنقولة في يد الغير). ويكون قاضي التنفيذ هو الجهة المختصة بالتنفيذ الجبري على أموال المحكوم عليه وفقاً للفقرة (1) من المادة (202) المشار إليها.وفي حال علم المحكوم له بأي أموال للمحكوم عليه سواء تحت يده أو لدى الغير، فله بموجب الفقرة (4) من المادة المذكورة أعلاه (... طلب الحجز على ما للمدين لدى الدولة، أو الشركات أو المؤسسات أو البنوك ونحوها)، فإذا كان للمحكوم عليه أرصدة لدى أي من البنوك المحلية ''مثلاً''، فسيقوم قاضي التنفيذ بإصدار أمر إلى مؤسسة النقد بالحجز على أرصدة وحسابات المحكوم عليه لدى البنوك التي يجب عليها - خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ التبليغ بالحجز - أن تفصح عن موجودات المحكوم عليه كما ورد في المادة (204) من نظام المرافعات، ثم يتم اقتطاع مبلغ الحكم جبراً من حسابات المحكوم عليه إن كانت الأرصدة تفي بقيمة المبلغ المحكوم به وتحرير شيك مصرفي باسم رئيس المحكمة وإرساله ثم تجييره للمحكوم له وتسليمه إياه.وفي حالة امتناع المحجوز لديه ''البنك'' عن الإقرار بما تحت يده من أموال للمحكوم عليه، أو أقر بغير الحقيقة، أو أقر ولكن امتنع عن إيداع المبلغ المحجوز بصندوق المحكمة، فإنه يحق للمحكوم له التقدم بطلب إلى رئيس المحكمة أو قاضي التنفيذ وفق الاختصاص المكاني للتنفيذ على أموال المحجوز لديه وفقاً للمادة (207) من نظام المرافعات.وللمحكوم له الحق في أن يطلب الحجز والتنفيذ على عقارات المحكوم عليه إذا كان يعلم منها شيئاً وإذا لم يكن كذلك، فإنه يصعب الكشف على أي عقارات تكون للمحكوم عليه - إذا لم يفصح عنها - نظراً لعدم اكتمال مشروع التوثيق الإلكتروني لصكوك الملكيات، ولذلك فإن هذا الإجراء قد لا يكون ناجزاً بالنسبة للتنفيذ على العقارات إذا لم يعلمها المحكوم له كما سبق.وفي حالة عدم التمكن من التنفيذ على الأرصدة والحسابات والأملاك العقارية أو عدم معرفة عنوان المحكوم عليه، يُمكن أن يتقدم المحكوم له بطلب إدراج المحكوم عليه في ''نظام المطلوبين''، وهو نظام أمني آلي يُدرج فيه أسماء الأشخاص المطلوبين لأسباب جنائية أو حقوقية أو إدارية، ويحتوي ''هذا النظام الآلي'' على حزمة إجراءات مثل (الإدراج على قائمة القبض)، أو (الإدراج على قائمة تعطيل المصالح) لإيقاف الحاسب الآلي للمحكوم عليه وتعطيل مصالحه ومعاملاته الحكومية مثل إجراءات الجوازات والمرور وغيرها - خصوصاً إذا كان المحكوم عليه شخصاً اعتبارياً -، كما يمكن التقدم بطلب (الإدراج على قائمة الممنوعين من السفر) - حسب المتبع - وذلك لتضييق الخناق على المحكوم عليه ليسارع إلى الإيفاء بالحق المحكوم به.وتفعيلاً لآلية الحجز التنفيذي وضماناً لتنفيذه بالصورة المُثلى؛ فإنه يتوجب زيادة عدد قضاة ومساعدي ومأموري التنفيذ في باقي مدن ومحاكم المملكة، كما يلزم تفعيل جميع مواد الحجز التحفظي الوارد ذكرها - في الباب الثالث - من نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية.كما أقترح أن يتضمن - أي نظام جديد للتنفيذ - مواد تشمل إجراءات الحجز والتنفيذ على الأوراق والسندات التي يُسبغ عليها النظام الصيغة التنفيذية، كالسندات والعقود والاتفاقيات الموثقة والأوراق التجارية مثل الشيكات، وكل من يحمل سنداً محدد المقدار حال الأداء وفقاً للضوابط الشرعية والنظامية، بحيث يتقدم لجهة التنفيذ مباشرة لتنفيذ مضمون ''السند'' دون الحاجة إلى التقدم بدعوى قضائية للحصول على حكم أو قرار نهائي، لأن من شأن ذلك أن يخفف الضغط على جهات التقاضي بمختلف أنواعها، خاصة إذا تم تطبيق النظام بشكل حازم وفوري يضمن حقوق جميع الأطراف.
ختاماً آمل ألا تفوتني الإشادة بالدور الكبير الذي يضطلع به قضاة التنفيذ - نسأل الله لهم التوفيق - فيما يبذلونه من مجهودات كبيرة تعيد للأحكام هيبتها وتزيد ثقة الناس بالأحكام والقرارات النهائية الصادرة من الجهات الرسمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي