Author

بين القاضي والمحامي .. تكامل أم تنافس؟

|
يطرح المحامون السعوديون هذه الأيام في وسائل الإعلام المختلفة قضية من أهم القضايا الخلافية على الساحة القضائية والقانونية, وفحوى القضية, من وجهة نظر المحامين, أن كثيراً من القضاة لا يكنون وداً لمهنة المحاماة, ولا يبدون تعاوناً مثمراً مع المحامين, ولذلك يناشد المحامون زملاءهم القضاة أن يعاملوهم على قاعدة أن القاضي والمحامي وجهان لعملة واحدة, أو أنهما جناحا العدالة, ويجب أن يسود بينهما احترام وتقدير متبادلان. ويبدو أن هذه الأزمة تأتي في أعقاب الأزمة المتفجرة الآن بين المحامين والقضاة في مصر التي تصاعدت حتى بلغت أعلى مستويات السلطة في مصر. وما يجب أن يتأكد منه المحامون السعوديون هو أن البيئة القضائية والقانونية في المملكة تختلف كثيراً عن البيئة القانونية والقضائية في مصر, فبينما ترى مصر أن المحامي والقاضي هما جناحا العدالة, فإن البيئة العدلية في السعودية لا ترى ذلك, بل ترى أن المحامي يسعى ما وسعه الجهد إلى الحصول على حكم لمصلحة موكله حتى ولو كان الموكل ظالماً, بل أكثر من هذا فإن الشائع بين بعض القضاة أن عمل المحامي يرتبط بـ "البزنس" أكثر مما يرتبط بالعدالة, ولدى القضاة كثير من الشواهد الواقعية, لذلك فإن كثيراً من القضاة, وبالذات في قضايا الأحوال الشخصية, يطلبون من المحامين أن يغادروا الجلسات, ويتركوا المدعي والمدعى عليه للقضاء العادل النزيه. لذلك، فإن دور المحامين في الساحة القضائية والقانونية في المملكة ما زال يسعى إلى بناء إمكاناته للقيام بالدفاع عن القضايا التي أصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل, بل أصبحت القضايا تتشكل من المحلي والدولي, ما جعل للمحامي السعودي دورا حتميا يجب أن يلعبه كي يدافع بكفاءة عن الوطن والمواطن. والسائد في معظم القضايا التي تتداولها المحاكم في هذه الأيام أن المحامي بات عنصراً أساسياً في القضية. وأنا أذكر أنه في صيف جدة 2000, الذي كان قائظاً جداً يومذاك دعاني الصديق المرحوم عبد الرؤوف خليل إلى حضور اجتماع مهم وخاص جداً في داره في حي الشاطئ, وفي الموعد المحدد حضر سبعة من المحامين العتاولة الذين جاءوا لتوهم من الولايات المتحدة وبريطانيا, وفي سياق من الترتيب التام بدأ المحامون الواحد تلو الآخر يتحدث عن المهمة التي جاء من أجلها, وهي في مجموعها تتلخص في مطالبة الشيخ عبد الرؤوف بتسديد مبلغ 1.2 مليار دولار فقط, وطبعاً كانت الحجج واهية ولا أساس لها من الصحة, لكنها تأتي في إطار حملة صهيونية من حملات الابتزاز التي كانت ترسلها أجنحة الصهيونية العالمية في قوافل متتابعة إلى أثرياء دول الخليج, طبعاً كان الاجتماع مهيبا, لكن الشيخ عبد الرؤوف كان رابط الجأش واثقا من موقفه, فرد بكلمات قليلة وصادقة ومفحمة, ثم فض الاجتماع بلباقة, ما أغضب المحامين العتاولة الذين لم يكن أمامهم إلا مبارحة المنزل الذي لفظهم إلى الشارع. والسؤال: هل يمكن الاستغناء عن المحامي, بل عن مجموعة من المحامين في مثل هذه القضية, وفى غيرها من آلاف القضايا الشائكة التي تتداولها المحاكم في هذه الأيام؟! ما يجب أن نقوله إن العلاقة بين القاضي والمحامي في ساحة القضاء السعودي في حاجة إلى مراجعة تتيح للمحامين مساحة أكبر من المشاركة في الحياة القانونية والعدلية, وإذا كنا نقر بأننا نعيش في فضاء العولمة, وأن العالم أصبح قرية, وأننا نسكن هذه القرية, فإن الساحة القضائية والقانونية في المملكة لم تعد تتحمل ابتعاد المحامين عنها, وإلاّ فإن الحياة القانونية لن تستقيم, والعدل بين الناس لن يسود, لأن العولمة لم تعد تقبل عزل المحامين عن الحياة الشرعية والقانونية. إن الحكومة لم تقصر في هذا الاتجاه, فبادرت في عام 2001 بإصدار نظام المرافعات الشرعية، ثم أصدرت عام 2002 نظام المحاماة, لكن ما يؤخذ على نظام المحاماة أن المحامين لم يشاركوا في وضعه رغم أنه نظام للمحامين, لذلك فإن المحامين لهم وجهات نظر في النظام الذي صدر بصيغة لا تلبي طموحات المحامين, فمثلاً تنص المادة الأولى من نظام المحاماة على أن المقصود بمهنة المحاماة هو الترافع عن الغير أمام المحاكم وديوان المظالم واللجان المشكلة بموجب الأنظمة والأوامر والقرارات لنظر القضايا الداخلة في اختصاصها, ومزاولة الاستشارات الشرعية والنظامية, ويسمى من زاول هذه المهنة محامياً, بل نلاحظ أن التهديد بالشطب والجزاءات ضد المحامين تملأ صفحات النظام أكثر من كلمات التحفيز والتشجيع، وتؤكد الفقرة (1/1) من المادة نفسها أن الترافع عن النفس حق شرعي لكل شخص. وهذه المادة يمكن أن تفهم بأن النظام يشجع كل شخص بالترافع عن نفسه, ولذلك نستطيع القول إن نظام المحاماة بصيغته التي صدر بها عليه كثير من الملاحظات, وكثير من مواده يبدو عليها القلق والاتجاه نحو تدجين هذه المهنة, بل يرجح النظام الاستغناء عن المحامي في كثير من القضايا, لكن الشيء الرائع في النظام أن المادة 11 تقول: على المحامي ألا يتوكل عن غيره في دعوى أو نفيها وهو يعلم أن صاحبها ظالم ومبطل, ولا أن يستمر إذا ظهر له ذلك أثناء التقاضي. وفى إطار جهودها لتأكيد وجودها تقول اللجنة الوطنية للمحامين إن هناك أربعة مليارات ريال تذهب سنوياً من الشركات السعودية كأتعاب إلى مؤسسات قانونية عربية أو/ وخليجية, وما زالت اللجنة الوطنية تشكو عدم تطبيق نظام المحاماة وتقول إن مكاتب المحاماة في حالة تفعيل النظام ستوظف ما لا يقل عن 100 ألف شاب في الأعمال الإدارية والمكتبية. ولذلك فإن المحامين يناشدون وزير العدل أن يقدم لهم مزيداً من الدعم والحرص على تفعيل نظام المحاماة الذي ما زال بعض أهم مواده بعيداً عن التطبيق, وبالذات ما يتعلق بإنشاء الهيئة الوطنية للمحامين التي يتوقع أن تكون من أقوى منظمات المجتمع المدني في المملكة. ولا أحد ينكر أن المحامين السعوديين حققوا كثيرا من الإنجازات على الصعيدين الدولي والمحلي, لكن الإنجازات التي حققها ويحققها المحامون السعوديون على أرض الواقع هي من خارج النظام وبمجهود فردي يقوم به بعض المحامين الذين صنعوا لهم اسماً داخل المملكة وخارجها, ونذكر منهم ــ على سبيل المثال ــ الدكتور ماجد قاروب والدكتور عمر الخولي وصلاح الحجيلان وغيرهم كثر. لذلك, فإننا ننتظر ونتوقع موقفاً مشرفاً من لدن وزير العدل المحترم الذي بشر بصدور نظام جديد للمحاماة يعطي المحامي السعودي حقه من المكانة والمهابة في الحياة القضائية والقانونية. وبالله التوفيق والسداد.
إنشرها