Author

اقتصاد الصيف

|
هل يمكن أن يرتبط الاقتصاد بالمواسم فتكون له نمطية محددة؟ نظن، بشكل عام، أنه فعلاً يمكن للاقتصاد أن يكون له طابع الموسم، سواء كان فصلاً من فصول السنة أو كان عيداً من الأعياد أو المناسبات الدينية أو الاجتماعية كالحج ورمضان أو الأفراح. هناك في كل موسم أو مناسبة نوع من التبضع أو النشاط يهيمن على الحراك الاقتصادي الوطني، فحين يذهب أغلب الإنفاق في رمضان الكريم مثلا في اتجاه تأمين أغذية وأشربة بعينها, بحيث يكون الطلب عليها، تستأثر المناسبات الاجتماعية كالأعراس والحفلات بإنفاق يذهب للمهور وقصور الزفاف والملابس الفخمة والمجوهرات وما إلى ذلك. الصيف، موسم الإجازات والسفر، لذلك يتجه الإنفاق كله إلى الاتجاه السياحي، سواء ما كان للداخل أو الخارج, غير أن الملاحظ على اقتصاد الصيف أنه يكاد يكون في حجمه، إذا ما قيس بحدة الإنفاق التي لا تتجاوز شهرين، يكاد يكون هو الأكبر حجماً قياساً بمعدل الإنفاق الشهري، سواء للفرد أو الأسرة، وقياساً كذلك بنسبيته إلى إنفاق العام كله مقارنة بإنفاق أي موسم أو مناسبة. هذا الحجم المميز في اقتصاد الصيف للأفراد والأسر، ليس ظاهرة سعودية أو خليجية, بل هي عالمية، فمعظم شعوب العالم توفر لترحال الصيف والسياحة فيه قدراً من المال يفوق ما يتم إنفاقه خلال شهور السنة .. لكن هل يمكن بناء على ذلك أن نخلص إلى أن اقتصاد الصيف رغم توقف أو تخفيف حركة العمل والإنتاج وما يوحي به ذلك من أثر في الحد من تدفق الإنفاق، هل يمكن أن نخلص إلى أنه أكبر الاقتصادات الموسمية حجماً؟ أي هل يشكل الإنفاق العالمي من قبل الأفراد والأسر والجماعات في الصيف مقياساً أو مؤشراً أيضا على أن الاقتصادات الوطنية تكون هي الأخرى أكثر وأكبر في ضخ الإنفاق سواء كان ذلك في اتجاه تعبئة الموارد الاقتصادية نفسها, أي ضخا للتوسع في الإنتاجية أو كان ضخا في اتجاه الخارج سواء كان زيادة في العوائد أو تدفقاً في جيوب المستثمرين أنفسهم كأرباح لاستثماراتهم أو حتى لمضارباتهم. وإذا كان من المسلم به أن الإنتاجية تقل في الصيف مثلما أنه من المسلم به أن عوائد السياحة والقطاعات الخدمية المساندة الأخرى تزداد، فهل يعني ذلك أن المفقود هناك مستهلك هنا, وأن المحصلة النهائية لاقتصاد الصيف تظل إما أنها مماثلة لما يقابلها من فصول السنة أو أن اقتصاد الصيف هو الأقل بينها؟ ربما تطلب الأمر دراسات مقارنة للإنفاق في المواسم, وبالتالي تقييم حجم اقتصاد الصيف مقارنة بغيره من اقتصادات موسمية في بلداننا كما في بلدان العالم لمعرفة حقيقية لا يظللها الإنفاق الكبير من قبل الأفراد والأسر والجماعات في الصيف ولا حتى ما تبدو عليه حركة الإنتاج والعمل من هدوء نسبي خلاله.. لكن تبقى الحقيقة الظاهرة أن الإنفاق في المدة المحدودة للصيف يظل هو الأعلى طوال العام حتى لو أسفرت الدراسات عن انخفاض أو علو في حجمه على المستوى الوطني.
إنشرها