Author

الإعلان التجاري وسياسة الحبل على الغارب

|
في عدد واحد, وفي صفحة واحدة, وتحت عنوان الخدمات المبوبة ورد ستة إعلانات تجارية مرتبطة بصحة الناس تدعوهم إلى استخدام هذا العلاج أو هذه الخلطة, الإعلان الأول بخصوص شاي أخضر طبيعي لإزالة الشحوم والدهون بمعدل ثمانية كيلو جرامات شهرياً, يا للعجب عصا سحرية تنقص الوزن بهذا المقدار وبهذه السرعة؟ أما الإعلان الثاني فهو بشأن بودرة لتبييض الأسنان, وأعطيت اسم علامة (ماركة), حيث حملت اسم بودرة اللؤلؤ, كما يتضمن هذا الإعلان إعلاناً داخلياً بشأن كريم للصدفية والأكزيما ونتائج مبهرة من أسبوع إلى عشرة أيام. أما الإعلان الثالث فهو أعشاب نادرة لتسمين الجسم, ويقول الإعلان إنه مجرب ومضمون 100 في المائة, ونتائجه مبهرة من أسبوع إلى عشرة أيام, كما تفيد في تطويل وتكثيف وتنعيم الشعر بشكل عجيب. أما العسل وأعشاب الخلايا لتقوية الذاكرة والمساعدة على سرعة الحفظ فكان أحد الإعلانات الواردة, والغريب أن هذا الإعلان جمع بين العقل والبطن, حيث تضمن الإعلان تخسيس البطن والكرش باستخدام أعشاب الوادي, ولا أدري أي واد هذا الذي يشير إليه الإعلان, هذا الإعلان ورد أثناء فترة الاختبارات, ويبدو أن من يقف وراءه يدرك قلق الطلاب بشأن الاختبارات وانزعاجهم بشأنها وخوفهم من نسيان المعلومات, لذا عرض هذا الإعلان ليستغل الموقف الصعب لبعض الطلاب ومن ثم يتم استغلالهم وشفط ما في جيوبهم من أموال. يبدو أن الأدوية والخلطات السحرية لا تقف عند حد, حيث إن البهاق يتم علاجه ما بين أسبوع وعشرة أيام, وذلك باستخدام نبع الصفا ـ كما يقول الإعلان, والغريب أن نتائجه تمتد لعلاج البقع البنية والسمراء, وكذلك تبييض البشرة وبشكل رهيب ونتائج مبهرة ـ كما تقول العبارة المتكررة. الإعلان الأخير خاص بتسمين الوجه, وذلك باستخدام الأعشاب النادرة ونتائجه مبهرة, وخلال سبعة إلى عشرة أيام, كما أن هذا الإعلان تضمن الترويج لزيت الفتاة الجميلة لتطويل الشعر, وهذا خاص بالأطفال ونتائجه تتحقق خلال فترة وجيزة تمتد ما بين سبعة إلى عشرة أيام. ويبدو أن صاحب هذه الإعلانات يؤمن بالتخصص حيث خصص الأطفال في الاستفادة من هذا الزيت. تأملت في هذه الإعلانات فألفيت أنها كلها تهتم بالصحة, وكل إعلان في جانب من جوانب الصحة, وبالأخص في ما له علاقة بالمظهر الخارجي للجسم أو الشعر أو لون البشرة, كما أنها استخدمت عبارات موحدة ومغرية لمن يبحثون عن حلول لمشكلات الوزن أو الشعر أو لون البشرة, حيث تكررت عبارة نتائج مبهرة, كما تكرر أن النتائج تتحقق ما بين أسبوع إلى عشرة أيام, وذلك إمعاناً في التأثير وجذب البعض إلى مثل هذه المنتجات. وبالتأمل في هذه الإعلانات يستنتج المرء أن مصدرها واحد, وذلك لأنها تهتم بمجال واحد, وهو مجال الصحة, كما أنها تأخذ نسقاً واحداً. ستة إعلانات شملت إعلانات داخلية تروج لمنتجات للاستخدام البشري, لكن من يقول إنها صحية ولا تضر بالإنسان؟! سؤال طرحته على نفسي, وأنا أقرأ هذه الإعلانات خاصة أننا نسمع ونقرأ كثيراً عن تحذيرات من هذه الأعشاب وهذه المركبات مجهولة المصدر, التي لم تخضع للاختبار والتجربة المعملية, لذا لا بد أن نتساءل: كيف يسمح لمروجي هذه المنتجات بالإعلان عن بضائعهم على الصحف ويضعون أرقام جوالاتهم لأن الإذن والسماح لهم بالإعلان يعني للبعض أن مثل هذا المنتج مرخص له, وأنه لا ضرر فيه؟ المؤسسة الصحافية ربما تعلل أنها تقدم خدمة الإعلان لأي أحد, لكن هذا غير كافٍ, إذ لا يمكن قبول الإعلان لأي بضاعة خاصة إذا كانت هذه البضاعة مضرة أو محرمة, وهل ستقبل الجريدة أن تعلن عن مشروب كحولي, أو نوع من أنواع المخدرات؟! الربح وجمع المال من وراء الإعلان الذي تحققه الوسيلة الإعلامية ليس سببا مقنعاً لقبول الإعلان والترويج لهذه البضائع المضرة حتى إن كانت في الأساس حلالاً. حبوب الكبتاجون يقول مروجوها إنها تساعد على الاستذكار, وتقوي الحفظ فهل نسمح لهم بالإعلان عن بضاعتهم المدمرة لمجرد أنها تعطي إحساساً واهماً بهذا الشيء؟! وهذا ينطبق على الإعلان الذي يروج لتقوية الذاكرة خلال أسبوع بواسطة أعشاب الخلايا. لو كان هذا صحيحاً لما تركه أي شخص في العالم, خاصة إذا كانت المادة حلالاً. إن ترك الحبل على الغارب لهذه الإعلانات يستوجب مراجعة لسياسة الإعلان التجاري سواء من قبل المؤسسات الإعلامية, والصحافية, أو من الجهات ذات العلاقة مثل وزارة التجارة وهيئة الدواء والغذاء, إذ لا يمكن أن تكون أسواقنا مفتوحة بهذا الشكل الذي يضر بنا جميعاً في نهاية المطاف ويسلب الأموال. إن التعويل على وعي الأفراد غير كافٍ, ولا بد من إجراءات تحد من هذه الممارسات وعقوبات توقف من يمارسونها سواء من بني جلدتنا, أو من الآخرين.
إنشرها