Author

الثقة قبل الترشيد والنمو

|
يمكن القول: إن الدول الكبرى التقليدية ضمن مجموعة العشرين، هي التي اختلفت فيما بينها في قمتها في تورنتو الكندية، حول قضايا مرتبطة بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، لا تحتمل الخلاف، وكان ينبغي ألا يكون لها مكان في هذه المجموعة، التي أخذت زمام المبادرة - وحتى الأمور - في أعقاب الأزمة التاريخية القاصمة. ويحق للدول الكبرى الأخرى (القوى الناشئة)، التي أخذت مكانها المستحق لها في هذه المجموعة، أن تقول: مهلاً .. نحن في حالة عالمية تاريخية لا ينفع معها الجدال، فكيف الخلاف؟ نحن تصدرنا المشهد الاقتصادي العالمي بعد الأزمة، وعلينا أن نكون على قدر هاماتنا ومسؤولياتنا، نرجو منكم يا قادة الغرب (على وجه التحديد)، أن تضعوا خلافاتكم خارج «العشرين»، لأننا في الواقع مسؤولون عن رسم معالم اقتصاد عالمي، بمعزل عن الأدوات القديمة، التي أسهمت في «توفير» أزمة لا أحد يريدها. لا مبالغة في القول: إن الخلاف بين الدول الكبرى في هذا الوقت بالذات، يفسد للود قضية، ويفسد أيضاً كل التوجهات لتأسيس نظام اقتصادي، لا يشبه ذاك الذي ساد العالم منذ الحرب العالمية الثانية، الذي قدم أزمة لكل عقد من الزمن تقريباً. أيهما أولاً؟ زيادة الإنفاق لدفع عجلة النمو الاقتصادي، أم ترشيد الإنفاق والتحكم فيه؟ أيهما أولاً: تسديد الديون أم خنق ما تبقى من «أنفاس» الاقتصاد؟ الألمان يريدون الترشيد وتسديد الديون الحكومية (أو السيادية)، والأمريكيون يرغبون في نمو اقتصادي، تعتبره ألمانيا مكلفاً في الوقت الراهن على الأقل. أما القوى الاقتصادية الناشئة ضمن مجموعة العشرين، فتريد في الواقع، أن تكون هناك أدوات، تحقق شيئاً من هذا وشيئاً من ذاك. فهي تعلم أن الإنفاق يعني تراكم مزيد من الديون، وعدمه يعني أن الاقتصاد سيراوح في مكانه المنخفض. وفي الواقع، أن التوافق بين الموقفين لا يمكن أن يستحضر بمعزل عن نظام اقتصادي عالمي، يخلق الثقة التي قتلتها الأزمة الاقتصادية العالمية، وبعد ذلك كل شيء سيكون ممكناً، بل سهلاً في عملية التنفيذ. لقد أجلت - عملياً - قمة تورنتو هذه القضية المحورية، بسبب الخلافات حول الترشيد أم النمو، وتأجل أوتوماتيكياً، مصير النظام الاقتصادي العالمي الذي ينتظره الجميع، ولا سيما بعدما اتضح تماماً، أن مجموعة مثل «الثماني»، لم تعد تملك أي أداة لـ «تعمير» نظام اقتصادي جديد، لأسباب كثيرة، في مقدمتها، أن دول هذه المجموعة النخبوية، كانت السبب الأول في انفجار الأزمة العالمية الكبرى، فضلاً عن أنها فقدت كثيرا من معاول البناء. وعلى هذا الأساس ينظر العالم إلى مجموعة العشرين، بعيداً عن التفاصيل والخلافات والمصالح الوطنية، و»الردح الاقتصادي» المعروف. إنه نظر إليها كقيادة بديلة لـ «الحرس الاقتصادي القديم». من هنا، فإن قضيتي الترشيد والنمو، تظلان أدنى من مستوى المجموعة الجديدة وقيمتها، المطالبة بالبناء أكثر مما هي مطالبة بالتجديد. لتختلف برلين مع واشنطن، ولكن ليس على ساحة «العشرين»، وليتبادل قادة الدول (التي كانت كبرى) الاتهامات، ولكن وراء الأبواب الموصدة. فالنمو الذي تسعى إليه الولايات المتحدة، لن يتحقق بمعايير اتفاق «بريتون وودز»، وكذلك الأمر بالنسبة لتسديد الديون الهائلة للدول، ولا سيما الغربية منها. لن تتحقق الإنجازات الاقتصادية المرجوة، قبل ولادة نظام يستبدل الاتفاق المذكور. إن مهمة مجموعة العشرين، تكمن في رص أساس اقتصادي، يمكن أن يُبنى عليه كل شيء، بما في ذلك النمو وفرص العمل، وأيضاً تسديد الديون التي تربط (سواء سددت الآن أو في وقت لاحق)، رقاب الأجيال القادمة، التي لم تستدن في الواقع شيئاً!
إنشرها