Author

مواقف السيارات: الزاوية الاقتصادية

|
مستشار اقتصادي
أحد المظاهر غير الحضارية في استخدام السيارات هو تلك الفوضى المتزايدة حول مواقف السيارات في كل الأسواق والمباني حكومية أو خاصة وحتى المساجد وفي كل المدن صغيرة أو كبيرة. تكدس السيارات إلى حد سد الطرق ومضايقة الآخرين تحت دعوى أن صاحب العربة يحتاج فقط إلى دقائق قليلة أصبحت ادعاء مستهلكا. هذه الظاهرة تخفي وراءها ليس سلبيات مباشرة فقط بل إشكاليات اقتصادية. الإشكاليات تبدأ من جعل السيارة الوسيلة الوحيدة للكل وتحجيم دور النقل العام بسبب أسعار الوقود غير الاقتصادية. تكاثر السيارات وفشل التخطيط العمراني من خلال التنازل عن الأراضي المخصصة للمواقف أحيانا وفشل المرور في التعامل مع الحركة المرورية بكفاءة عالية (المواقف في مرتبة متأخرة في قائمة الأولويات) تجعل من المواقف أحد مظاهر ضعف الإرادة الإدارية على مستويات عدة. إحدى تكاليف الحفاظ على السيارات هي تكلفة المواقف. التنازل عن هذه التكلفة يجعل من ملكية السيارة أمرا سهلا دون وعي بالتكلفة الاجتماعية على المجتمع. استطعنا أن نجعل اقتصاديات النقل العام مكلفة وثانوية مقارنة بملكية السيارة، ولكن على حساب جودة الحياة العامة والترشيد الاقتصادي للمجتمع. هنا لاحظ إمكانية دور الفرد في التضحية الفردية بغرض الحصول على عائد مجتمعي أعلى بكثير. تغيير هذه الأنماط سيخلق فرصا استثمارية طيبة للبعض وفرص عمل للبعض الآخر. يصعب تقدير العوائد للمرور والبلديات من تطبيق رسوم على المواقف ولكن لا شك أن المصلحة واضحة في إعادة ترتيب الأولويات من تحفيز اقتصاديات النقل العام والحد من الزحام وتطوير التصرف المدني واحترام الآخرين والمساعدة في إجراءات السلامة والأمن إلى تنظيم الانضباط في المجتمع.تتفق المدن الحديثة في استغلال كل بقعة أرض لبناء مواقف من عدة أدوار لبيع كل ربع ساعة من الوقت، بينما نحن لا نفرق بين الحق العام والحق الخاص في المواقف مما يسهم في رفع درجة الهدر الاقتصادي مع عدم الاهتمام بالمجتمع. أصبح اقتصاديو المملكة يحلقون في التنظير بعيدا عن استحقاقات الحياة اليومية ورفع مستوى الحياة المادية بل لعل كثيرا من المسؤولين الاقتصاديين ورجالات المرور لا يحتاجون إلى مواقف سيارات؛ فهذه مسؤولية السائق كي يجد موقفا أو يجول لمزيد من استعمال الوقود الرخيص ومضايقة الآخرين إلى حين تأتي مكالمة المسؤول بالجوال. حان الوقت لإصلاح هذه الحال الحزينة. قيمة الوقت ورصد التكلفة الفعلية لكل خدمة من خلال إدارة مواقف السيارات هما أحد المداخل العامة في التعامل مع حياة الناس.
إنشرها