Author

الدولار.. عودة التقلبات!

|
ما إن هدأت زوبعة الدولار العامين الماضيين، حتى أعلنت الصين عزمها تغيير سعر صرف اليوان ليكون أكثر مرونة، حيث سمح البنك المركزي الصيني بهبوطه بنسبة 0.02 أمام العملة الخضراء، وفي إشارة ضمنية إلى احتمالات تخلي الحكومة الصينية عن ربط عملتها بالدولار والتي قاربت السنتين. القرار الصيني بلا شك جاء ردة فعل لضغوط غربية وأمريكية قوية لرفع سعر صرف اليوان ما يُمكّن الحكومات من تخفيض عجوزاتها تجاه المارد الآسيوي. وبالفعل فقد وصل اليوان إلى أعلى مستوياته أمام الدولار هذه الأيام. وفي الآونة الأخيرة بدأ الدولار تقلباته، في إشارات متضاربة إلى احتمالات حراك تضخمي عالمي وبالأخص مع دخول الاقتصاد العالمي مرحلة الإنتعاش الحقيقي. ففي البداية، الربط إلى عملة معينة يُقلل من تقلبات سعر الصرف بين العملتين، ويساعد على سهولة التبادل التجاري والاستثماري خاصة في أوضاع البلدان المصدرة للنفط، كون النفط يتم تسعيره بالدولار مايُساعد الحكومات على التنبؤ بالإيرادات المستقبلية، لكنه لا يخلو من آثار ضارة ومنها تقلبات العملة الوطنية بطريقة غير مباشرة مع تغيرات العملات الرئيسة الأخرى أمام الدولار ما ينعكس سلبا على أسعار الواردات. سياسة الربط تُعتبر سهلة ومقبولة من الناحية العملية، وحين يستقر الدولار فإن سعر صرف العملة الوطنية سيشهد استقراراً أمام العملات الرئيسة الأخرى ما يساعد على تدفق الاستثمارات الأجنبية. هدوء العام الماضي ساعد على تأجيل الحديث عن موضوع الربط، وبعيداً عن حسابات رجال السياسة نقول، إن عودة التقلبات قد بدأت بوادرها حيث ارتفع اليورو أمام الدولار وبشكل غير متوقع، ما أجبر الدولار على التخلي عن بعض من مكاسبه التي حققها في الفترات الماضية. وعند النظر إلى أوضاعنا الاقتصادية المحلية نجد أن اقتصادنا يعتمد بشكل أساس على الواردات من الأسواق الخارجية لتلبية احتياجاته المحلية فعلى سبيل المثال لا الحصر، تستورد المملكة مانسبته 15 في المائه من الأغذية ومامقداره 24 في المائه من المعدات والمكائن من إجمالي الواردات لعام 2005، بينما أرقام وارداتنا الخارجية لعام 2007، تشير إلى أن نصيب الولايات المتحدة منها لا يتعدى 13.5 في المائة من إجمالي الواردات، أي أن وارداتنا من خارج منطقة الدولار تُشكل أكثر من 86 في المائة . بيد أن الأزمة المالية العالمية وتبعاتها قد ألقت بظللها على الاقتصادات العالمية ما زاد الطلب على الدولار مع المعادن الأخرى كملجأ آمن لمدخرات الأفراد والمستثمرين. ولو تتبعنا مسيرة التقلبات لوجدنا أنه في عام 2002 هبط سعر صرف الدولار بما نسبته 5,3 في المائة مقابل اليورو، و4 في المائه مقابل الاسترليني، بينما في عام 2003 انخفض مرة أخرى بنسبة 15.9في المائة مقابل اليورو، و 7,5 في المائة مقابل الاسترليني. وطبقاً لمُقارنات سابقة للدولار بقيمته عام 999م، وجدت دراسات متنوعة أن الدولار انخفض وبشكل كبير في منتصف عام 2007 بما نسبته 22,7 مقابل اليورو، و19,1 في المائة مقابل الاسترليني. قد تلجأ البلدان إلى رفع صادراتها وخفض وارداتها من خلال تخفيض سعر الصرف كعلاج للعجز في الميزان التجاري، كما أن استراتيجية الدولار الضعيف ستكون فعالة في زيادة الصادرات الأمريكية، إلا أن تبنى مثل هذه السياسات قد يدفع الغير إلى مناهضة هذه التوجه، وعليه فإن استمرار السياسة النقدية في المحافظة على سعر صرف منخفض لا شك أنه سيخفف من العجز التجاري، ولكن قد لا تستطيع البلدان الأُخرى المحافظة على استقرار سعر صرف عملاتها أمام الدولار، لأن هذا سيكون على حساب زيادة طلبها من الدولارات، ومن ثم استثمارها في شراء سندات الخزانة الأمريكية وتكون قد ساهمت بطريقة غير مباشرة في تخفيف العجز الأمريكي. التسابق إلى تخفيض العملة بالتأكيد لن يكون الحل السوي لأن فعالية هذه السياسة تخضع لعدة اعتبارات من أهمها مرونة الطلب على السلع، ووجود طاقة غير موظفة، ناهيك عن سياسة المعاملة بالمثل. عدم كفاية هذه الاعتبارات سيزيد الوضع تعقيداً، والنتيجة زيادة الإنتاج وارتفاع وتيرة الركود الاقتصادي ومن ثم مزيد من التدهور للعملة الوطنية نتيجة التضخم. من الثابت أن السبل الكفيلة بحل مشكلات سعر الصرف لابد أن تأخذ في الحسبان مصالحنا الاقتصادية بالدرجة الأولى، وعلى المدى الطويل، مع مراعاة التقلبات المستقبلية للاقتصادات العالمية وانعكاساتها على العملات الدولية الأخرى وموقفنا منها. بناء الاستراتيجيات الاقتصادية يشمل في حساباته كل المتغيرات المحلية والدولية بما فيها الظروف و المكاسب السياسية على المدى الطويل. وبافتراض استشرافنا للمستقبل بناءً على توقعات رشيدة ومبنية على معطيات واقعية، ومع تعظيم المكاسب أو تقليل الأضرار لأي من الخيارات المتاحة، هناك أسئلة مشروعة وإجابات مُستحقة. ماذا أعددنا من خطط جادة لدراسة جدوى بقاء الريال مرتبطاً بالدولار أم بسلة من العملات؟ وما الجهة أو الجهات الحكومية المفروض أن يُناط بها هذا العمل الوطني؟ وهل ذاكرتنا قصيرة بحيث نسينا خسائرنا جراء هبوطات الدولار الحادة الفترات الماضية أمام العملات الرئيسة؟. إذاً الأمر يستوجب مراجعة شاملة لأوضاعنا الحالية، ومنها تآكل قوة الريال الشرائية المستقبلية، كون الدراسات تُشير إلى أن التضخم قادم عاجلاً أم آجلاً. وهذا يستدعي تدخلا سريعا من قبل حكومتنا الرشيدة، وأحسبها تأخذ في اعتباراتها انخفاض دخل المملكة الحقيقي بسبب هبوطات الدولار المتكررة وغير المُبررة.
إنشرها