Author

أنظمة الكفالة تحد من الكفاءة

|
لا شك في أن تبني سياسات السماح باستقدام العمالة الأجنبية أسهم في تسريع التنمية في منطقة الخليج العربي وفي خفض تكاليفها أيضاً. فقد أدى التدفق الكبير للعمالة إلى توفير عمالة كافية لإنشاء المشاريع وتشغيل الخدمات وبسرعة أكبر بكثير مما لو تم الاعتماد فقط على العمالة الوطنية. وحال توافر العمالة بالأعداد الكبيرة دون ارتفاع الأجور بقوة في بداية التنمية الشاملة والواسعة في المنطقة, ما خفض تكاليف مشاريع التنمية وتشغيل الخدمات, ومكن من زيادة عددها وحجمها. وما زالت العملية التنموية في منطقة الخليج في حاجة كبيرة إلى الخبرات الأجنبية عالية المهارة، وكذلك إلى المهنيين، وإلى العمالة منخفضة المهارة لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية وتوفير الخدمات في اقتصاديات منطقة الخليج العربي، وسد العجز في الطلب على العمالة عند مستويات الأجور المنخفضة. ورفع الوجود الكبير للعمالة الأجنبية حجم القيمة المضافة في اقتصادات دول المنطقة, دافعاً بالناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول إلى أعلى, ومضيفاً مزيدا من الطلب على السلع والخدمات, ما أسهم في رفع مستويات الدخل والإنفاق في منطقة الخليج. ولولا المنافع التي جنتها دول المنطقة من تدفق العمالة الأجنبية لما استمرت في استقطاب مزيد منها. ومع كل المنافع المتولدة من استقدام العمالة، فقد نتج عنها بعض الآثار الجانبية, التي أهمها ارتفاع معدلات بطالة العمالة الوطنية الناتج عن تفضيل المؤسسات الخاصة تشغيل العمالة الأجنبية. ومع وجود بطالة مرتفعة في الأيادي الوطنية، إلا أن هناك عجزاً مستمراً في العمالة الأجنبية بسبب سعي المؤسسات الإنتاجية المستمر إلى استقدامها. وهذا ناتج ـ كما هو معلوم ـ عن تفضيل هذه المؤسسات الخاصة توظيف العمالة الأجنبية. ويرجع هذا التفضيل إلى عدة أسباب أهمها انخفاض أجورها مقارنةً بالعمالة الوطنية, التي تعبر عنها المؤسسات المستقدمة بعدم توافر الكفاءات الوطنية بأعداد كافية. وبالنسبة إلى هذه الحجة فإن العمالة الوطنية متوافرة لجزء كبير من احتياجات المؤسسات الإنتاجية للقطاع الخاص, لكن تدني الأجور في القطاع الخاص يحول دون قبول العمالة الوطنية هذه الوظائف. من جهة أخرى، لا يمكن إنكار وجود شح كبير في بعض المهن, ما يضطر عددا من المؤسسات إلى استقدام العمالة الأجنبية، لكن عددا كبيرا من هذه المؤسسات وللأسباب نفسها لا تستطيع الاحتفاظ حتى بالعمالة الأجنبية التي تستقدمها. ونتيجة لذلك تفضل هذه المؤسسات فتح باب الاستقدام لتتمكن من التعويض باستمرار عن العمالة المفقودة. ويفقد عدد كبير من المؤسسات نسبا كبيرة من عمالتها الأجنبية بسبب ظروف العمل غير المواتية أو بسبب تدني مستويات الأجور مقارنةً بما هو سائد في أسواق العمل. ومن الأفضل مراقبة معدلات استبدال العمالة الأجنبية المرتفع لدى بعض المؤسسات، فقد تخفي وراءها بعض التجاوزات التي يقوم بها أصحاب الأعمال. وتفضل المؤسسات الخاصة تشغيل العمالة الأجنبية أيضاً لكون بعض الأنظمة تجعل منها أقل تكلفة من العمالة الوطنية, فأنظمة التقاعد مثلاً تجبر أصحاب الأعمال على دفع نسب محددة من الأجور لمؤسسات التقاعد في حالة العمالة الوطنية بينما تعفيهم في حالة كون العمالة أجنبية. كما قد يجد أصحاب الأعمال صعوبة أكبر في فصل العمالة الوطنية بينما يستطيعون بسهولة أكبر استبدال العمالة الأجنبية. وتفضل المؤسسات الخاصة العمالة الأجنبية لأنها أيضاً تملك سلطة الكفالة التي تحد بدرجة كبيرة من حركة العمالة الأجنبية, وبهذا تعوق سعيها إلى الحصول على أجور أعلى. وأسهم نظام الكفالة في الحد من قدرة العمالة الأجنبية على الانتقال بين الأعمال, ما قاد إلى بطالة مقنعة بين عدد كبير من العمالة الأجنبية وإلى انخفاض مستويات إنتاجيتها. كما أن تهديد موظفي العمالة الأجنبية هذه العمالة بالترحيل يجبر العمالة الأجنبية على قبول بعض تجاوزات موظفيهم بينما لا يستطيع ملاك المؤسسات الخاصة استخدام هذا التهديد مع العمالة الوطنية التي تستطيع ترك أعمالها بحرية أكبر. ويستغل نظام الكفالة عدد كبير من المتاجرين بالعمالة (أو تجار الشنطة كما يصفهم البعض والذين يحصلون على عمولات مقابل الكفالة), حيث يوظفون صلاتهم وعلاقاتهم ببعض المسؤولين في استقدام أعداد كبيرة من العمالة منخفضة المهارة التي لا يحتاج إليها الاقتصاد الوطني ومزاحمة العمالة الموجودة في الأسواق, ما يقود إلى إضافة مزيد من الضغوط على الأجور ويخفض من إمكانية توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص. وعموماً أعتقد أن نظام الكفالة بوضعه الحالي أسهم بقوة في ارتفاع بطالة المواطنين من خلال تأثيره السلبي في الأجور ومن خلال رفع أعداد العمالة الأجنبية. من ناحيةً أخرى ينظر إلى نظام الكفالة بسلبية كبيرة من قبل الدول الأخرى ومؤسسات حقوق الإنسان والعمالة المستقدمة على حدٍ سواء، بل يبالغ بعض المنتقدين لنظام الكفالة من خلال تشبيهه بالعبودية بسبب تقييده حركة العمالة. وكان لا يسمح للعبيد في السابق بالتنقل بحرية إلا إذا حملوا خطاباً من سيدهم يسمح لهم صراحةً بالتنقل. لقد حان الوقت إلى إعادة النظر في أنظمة الكفالة الحالية التي تقيد تنقل العمالة وتحاول حماية ملاك رؤوس الأموال. وأثبتت التجارب الميدانية أن كثيراً من ملاك رؤوس الأموال, الذين تحميهم أنظمة الكفالة, أجانب يعملون تحت ستار أسماء سعودية مقابل مبالغ زهيدة أو علاقات شخصية. وتحد أنظمة الكفالة من تنقل العمالة الذي يعد مصدرا من مصادر النمو الاقتصادي. وتسهم حركة العمالة المستمرة في رفع الإنتاجية، حيث تحاول العمالة الحصول على وظائف أفضل لرفع أجورها, وبهذا فإن أي قيود على حركة العمالة, خصوصاً القانونية منها, تعد من العوائق المؤثرة سلباً في الكفاءة. ويمكن للمؤسسات الإنتاجية استخدام عقود العمل بديلا لنظام الكفالة لاسترداد تكاليف الاستقدام في حالة انتقال العمالة للعمل في مؤسسات أخرى. وفي حالة تبني عقود العمل كبديل للكفالة فإن تفعيل تطبيق عقود العمل ضروري لضمان نجاحها في أداء مهمتها. وألغت البحرين نظام الكفيل أخيرا ويبدو أنها لا تعاني الآثار السلبية التي هدد مؤيدو نظام الكفيل بحدوثها، وتستحق تجربة البحرين في هذا المجال المراقبة والاستفادة من نتائجها.
إنشرها