Author

بانوراما التمويل في المملكة .. واقع صندوق التنمية العقارية والإسكان (4)

|
في هذه السلسلة من المقالات حول بانوراما التمويل في المملكة، حاولنا التدرج في طرح الموضوع بشكل سهل قدر المستطاع بهدف إطلاع القراء على قطاع أصبح اليوم محل اهتمام الجميع أفرادا وشركات، ألا وهو قطاع التمويل. رغم استعجال بعض الإخوة الذين يريدون حلولا. أقول الحلول الصحيحة تأتي فقط بعد أن يكون لدينا تشخيص دقيق. لذا آمل ممن يريد الاستفادة أكبر من مقال اليوم والمقالات القادمة الرجوع للمقالات السابقة تحت الشق الأول نفسه من العنوان. حيث بدأنا الحديث عن تصنيف مصادر التمويل في المملكة في أولها، وانتهينا اليوم إلى الحديث عن صندوق التنمية العقارية كأحد قنوات التمويل الإسكاني من المصدر الأول الحكومي بعد أن تحدثنا الأسبوع الماضي بشكل عام عن حال صناديق التمويل الحكومية وبقاء الحال كما هو عليه منذ إنشاء تلك الصناديق! وسننتهي بإذن الله إلى اقتراحات وأفكار لحل مشكلة التمويل في المملكة لمختلف أنواع التمويل. منذ أكثر من 37 عاماً وحتى اليوم، قدم صندوق التنمية العقارية أكثر من 140 مليار ريال، وعلى الرغم من ذلك مازال هناك أكثر من 500 ألف طلب قرض على قائمة الانتظار تبلغ قيمتها التقديرية ما يقرب من 132 مليار ريال، قام الصندوق في عام 1428هـ بتمويل فقط (4 في المائة) من إجمالي الطلبات المتراكمة والموجودة على قائمة الانتظار. فقد بلغت القروض غير المسددة (NPL) للصندوق حتى عام 2008م نحو 75.4 مليار ريال سدد منها في السنة ذاتها نحو 3.0 مليار ريال، مما يعني أن صافي الإقراض في غالبية السنوات بالسالب، أي أن ما يدفعه الصندوق للمواطنين يفوق ما يحصله من الديون السابقة. ما يعني أن الصندوق برأسماله الحالي يحتاج إلى نحو (28) عاماً لتمويل الطلبات المتراكمة مع افتراضين: الأول استمرار الحكومة في تخصيص مبالغ إضافية لتعويض جزء من مبالغ الخصم والإعفاء. والثاني افتراض قيام جميع المقترضين الحاليين بدفع قيمة القروض المستحقة! 28 سنة انتظار هي ممكنة، إذا وإذا فقط تحقق أحد الافتراضين أو كلاهما! وهذا من سابع المستحيلات بالنسبة للافتراض الثاني ووارد للأول إذا ارتأت ذلك!! هذا على الرغم من الدعم السخي المقدم من قبل الحكومة للصندوق أخيرا (25 مليار ريال تقدم على مدى خمسة أعوام)، إلا أن ضعف هيكلية عمل الصندوق أدت إلى أن ما يقدم من قروض يصب في اتجاه واحد دون تحقيق الهدف المنشود. حيث إن نسب السداد وإن كانت تختلف من منطقة إلى أخرى في المتوسط ضعيفة جداً! والدليل دون أن تكون لدينا إحصائيات دقيقة عن نسب السداد، أن عدم قدرة الصندوق على تقديم قروض جديدة إلا من خلال دعم حكومي جديد يدل دلالة قطعية على أن معظم القروض التي يقدمها الصندوق لا يتم سدادها! وقد خلق ذلك مشكلة أكبر وهي أن تلك القروض الممنوحة للمواطنين مرهونة بالعقار السكني الذي يملكونه، وهم غير قادرين على التصرف في تلك العقارات، ما خلق حالة جمود واضحة في وضع هذه العقارات بالذات في المدن غير الرئيسة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن قيمة العقارات ثابتة وقد تتجاوز تريليوني ريال. كما خلقت هذه الحالة مشكلة كبيرة تتعلق بكيفية التصرف في تلك العقارات بيعاً وشراء. فالمالك غير قادر على التسديد أو غير راغب في ذلك، بينما المشتري قد لا يرى أن قيمتها تساوي الرهن القائم على المبنى، وبالذات تلك العقارات التي تم التقدم بقروض لها في بداية عمل الصندوق العقاري في السبعينيات والثمانينيات الميلادية. علاوة على ذلك، فإن الصندوق غير راغب في وضع اليد على عقارات المتعثرين عن السداد نتيجة لوقائع سياسية واجتماعية! مراجعة أداء الصندوق أصبحت ملحة، فقد قدم مجلس الشورى توصيات حاولت دعم وتسهيل إجراءات منح القروض على المواطنين من بينها إلغاء شرط تقديم صورة صك ملكية الأرض المراد البناء عليها مع الأساس للمطابقة عند التقدم بطلب قرض من الصندوق بجانب تكليف جهة محايدة متخصصة لدراسة إدارة صندوق التنمية العقارية للوصول لما يجب عمله مستقبلا لمواجهة الطلب المتزايد! كما أوصى المجلس أيضاً بدراسة وضع آلية للتعاون بين الصندوق والمؤسسات المالية التجارية لتوفير تمويل إضافي لمن يرغب من المقترضين تحقيقاً لمصلحة المقترض والصندوق والمؤسسات المالية التجارية، إضافة إلى التوصية الرابعة بتحديث نظام الصندوق لينسجم مع نظام الهيئة العامة للإسكان والأنظمة ذات العلاقة. وقال تقرير للجنة المالية في المجلس «إن كل «ذلك» جعلها توصي برفع رأسمال الصندوق من (91.8) مليار ريال إلى (200) مليار ريال مع العلم أن الصندوق لم يتمكن من الحصول على كامل رأسماله وأن المدفوع له فقط (86.3) مليار ريال فقط. كما بررت اللجنة المطالبة برفع قيمة القرض إلى (500) ألف ريال بتغير الأسس التي حدد عليها عند إنشائه قبل 35 سنة وكذلك الزيادة الحادة والمستمرة في أسعار مواد البناء والأيدي العاملة، وضرورة زيادة القرض ليواكب ولو بصورة جزئية زيادة تكاليف البناء وغلاء المساكن». أعتقد أن تلك التوصيات وبالذات زيادة القرض إلى (500) ألف ريال هي فقط دلالة على أن هناك خللا في الأسس التي تم بناء عليها اختيار أعضاء اللجنة المالية لا أكثر ولا أقل! فالمشكلة أعقد من أن تحل من خلال هذه التوصيات الفقيرة! فالسؤال البسيط: هل يستطيع الإخوة أعضاء اللجنة تقديم شرح واضح لماذا مبلغ (500) ألف ريال هو ما نحتاج إليه لبناء البيت في جميع مناطق المملكة؟ على أقل تقدير لو تم طرح فكرة اختلاف مبلغ القرض باختلاف المنطقة على سبيل المثال. كان بالإمكان عندها أن نقول إن هناك جهدا فكريا بذل لعلاج المشكلة! وما يعزز أهمية القضية وحال الصندوق العقاري والتمويل العقاري عموماً في المملكة في توفير مساكن خاصة، تأكيد وزارة الاقتصاد والتخطيط في خطة التنمية الثامنة (2005-2009م) بوجود مواطنين لا تمكنهم إمكاناتهم من تأمين مساكن خاصة بهم، بدءاً من شراء الأرض وانتهاءً بتوفير المبالغ اللازمة لبناء المسكن. ويزداد الأمر صعوبة - بحسب الخطة- لهذه الشريحة من المواطنين نتيجة استمرار ارتفاع أسعار الأراضي وانخفاض مساحة الأراضي السكنية المتاحة ضمن النطاق العمراني للمدن، إضافة إلى انخفاض حجم المعروض من المساكن الواقعة في متناول القدرات المالية للأفراد. هذا في الوقت الذي يستمر فيه انخفاض عدد المساكن التي توفرها بعض الجهات الحكومية، إضافة إلى عدم مواكبة التمويل المتاح للطلب على قروض صندوق التنمية العقارية. وقد أفادت الوزارة أن موارد الصندوق عجزت في السنوات الأخيرة عن مواكبة الطلب المتزايد على القروض، وأصبحت الفجوة بين الطلبات المقدمة ومعدل استجابة الصندوق لها تزداد اتساعاً، حيث تقدر طلبات التمويل التي تنتظر الموافقة بنحو (500) ألف طلب بنهاية خطة التنمية السابعة، ما يطيل مدة الانتظار للحصول على قروض جديدة. وعللت خطة التنمية الثامنة ضعف دور صندوق التنمية العقارية إلى العقبات التي تواجهه في تحصيل الديون المستحقة، إضافة إلى محدودية الوسائل البديلة أو المكملة لتمويل الإسكان بشكل عام والإسكان المتعلق بذوي الإمكانات المحدودة من المواطنين بشكل خاص، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود خلال فترة تنفيذ خطة التنمية الثامنة للتغلب على هذه المعوقات، وتقليص مدة الانتظار للحصول على قروض الصندوق. كما أوضحت الوزارة العقبات التي تحد من قيام المصارف التجارية والشركات الخاصة بتوفير التمويل طويل الأجل للإسكان بشروط تعاقدية ميسرة وتناولت اعتماد آليات وضوابط يمكن في إطارها ضمان حقوق الأطراف المتعاقدة. إضافة إلى ذلك، أشارت الوزارة إلى التوسع في برامج الإسكان التعاوني والادخار الإسكاني مع العمل على إصدار الأنظمة المساندة مثل نظام الرهن العقاري، ونظام البيع بالتقسيط والتأجير المنتهي بالتمليك، ومعالجة إشكاليات الأراضي البيضاء، خاصة ذات المساحات الكبيرة منها، والاستفادة من التجارب العالمية في هذه المجالات. زمن الخطة الثامنة انتهى والتي شخصت المشكلة نظرياً بشكل دقيق على الأقل أفضل من مجلس الشورى واللجنة الموقرة، وبقي الحال كما هو عليه وعلى المتضرر الصبر، الصبر ثم الصبر، إلى أن تصبح ممن يمكن أن تشملهم مشاريع الإسكان الخيري، وكل المطلوب خطاب من العمدة مختوما يثبت فيه أن المذكور «مت» «قاعد»، ويريد مسكنا يؤوي أولاده ويؤمن مكانا لهم قبل أن يموت بدلاً من أن يكونوا عرضة للابتزاز!!! والله من وراء القصد.
إنشرها