Author

رسم المستقبل للشركات والمؤسسات الحكومية

|
أدرك كثير من المنظمات في القطاعين الخاص والعام على حد سواء أهمية القرارات طويلة الأمد (القرارات الاستراتيجية)، فقامت بخطوات إيجابية تهدف إلى تحويل وضعها سواءً كان من الخلل إلى التوازن أو من الجيد إلى الأفضل. متجهةً نحو رسم المستقبل وتصحيح الأخطاء وتجاوز الإخفاقات السابقة, ملبية متطلبات المستفيد من خدماتها. فوقعت العقود وجندت الجنود وأخذ الأمر على محمل الجد، فجاء الخبراء وعدت الاجتماعات وكثرت النقاشات وظهر المؤيد والمعارض والمحبط والمتحفظ. خلال تلك العمليات تمر الاستراتيجية وتشكيلها بعدة مراحل بدايةً بفهم طبيعة المنظمة والاستفادة من خبراتها السابقة وتحديد موقعها الحالي مما تصبو إليه, انتهاءً بصياغة توجهاتها وعرض خطة تنفيذها وكيفية قياس القيمة المضافة الناتجة من تطبيقها وتحقيق الإنجازات المستهدفة ثم الضمان المستمر لفاعليتها والتنفيذ الجيد لها, فتُستثمر الموارد ويُحدد الهدف وتُمرحل الإنجازات المنشودة ويُستفاد من المنظمات المشابهة ويُسعى إلى الوضوح حتى تظفر المنظمة بما يناسبها وبما يحقق تطلعاتها وتطلعات رجالاتها والمسؤولين عنها والمستفيدين من خدماتها (العملاء). وهنا يعزز تعريف الاستراتيجية بأنه الطريق للمنظمة لصناعة القيمة (القيمة تكون في كل أو أحد الأهداف المالية أو التشغيلية أو التسويقية أو التطويرية والتدريبية). في هذه المرحلة لا بد على المنظمة أن تحدد طموحها، وهنا يأتي سؤال كيف يحدد سقف لطموحات المنظمة؟ وهل الاستراتيجية تبنى لتحقق طموحات المنظمة أم طموحات المستفيد من خدماتها؟ ومن المعلوم أن طموحات المنظمات لا تكفيها المؤشرات المالية والمحاسبية فقط, وبالتالي طموحات أي منظمة ناجحة أو تسعى إلى النجاح لا بد ألا يقتصر على تحقيق إنجازات عالية وغير مسبوقة تكون مركزة فقط على الجوانب المالية والمحاسبية فقط (وهذا ما يؤكده الكاتبان روبرت كابلان وديفيد نورتن في كتابهما "الخرائط الاستراتيجية", الذي نشر عام 2004)، بل إن المنظمات تنظر إلى المؤشرات التشغيلية وكفاءة العمليات والمؤشرات التسويقية وإدارة العملاء, وأيضا مؤشرات النمو ومنحنيات التعلم والكفاءات المحورية مقارنةً بالمنافسين, إضافة إلى المؤشرات المالية والمحاسبية. لذلك نجد أن طموحات المستفيد من هذه المنظمة أو تلك يجب أن يكون جزءا لا يتجزأ من طموحات المنظمة، وهي تعتبر ضمن المؤشرات التشغيلية وكفاءة العمليات والمؤشرات التسويقية وإدارة العملاء بشكل أو بآخر. الاستراتيجية ربما تكون عامة وشاملة لكل جوانب الأداء للمنظمة, وربما تكون موجها نحو أداء معين محدد الهدف وممرحل التنفيذ، فقد تقوم منظمة ما بإعادة دراسة وتشكيل استراتيجيتها هادفةً إلى تحسين أحد المؤشرات الأربعة آنفة الذكر أو ربما تستهدفها جميعا (مع العلم أن تحسين الأداء لأي من هذه المؤشرات الأربعة ستكون له انعكاسات على بقية المؤشرات). يُحدد التركيز ونطاق العمل بناء على دراسات يسهم المستشارون في قيادتها، لكن حقيقة الأمر نابعة من موظفي المنظمة نظرا لخبرتهم الواسعة ومعرفتهم العريضة بطبيعة المنظمة التي ينتمون إليها, ومعرفتهم بالأزمات والمشكلات التي تواجهها المنظمة بشكل مستمر أو متقطع. كل ما يسعى إليه الاستشاري هو استمالة عقول الموظفين ليعملوا على تزويده بكل المعطيات التي تسمح له بتشكيل استراتيجية مبنية على أرض صلبة يبني عليها خبرته في مجال تشكيل الاستراتيجيات للمنظمات المختلفة ويستطيع من خلالها إقناع المنظمة بأن هذه الاستراتيجية هي الأنسب بكل ما تتضمنه من تفاصيل. توقعات الاستشاري لمستقبل المنظمة وقدرته على استكشاف المستقبل وتمكنه من ربط المنتج النهائي للمنظمة بمثيلاتها من المنظمات, وجعل الميزة النوعية للمنظمة حاضرة بقوة في حاضرها ومستقبلها, وتمكنه من ضمان مشاركة موظفي الشركة في مراحل إعداد الاستراتيجية بفاعلية, تعد ضمن معايير نجاح الاستشاري, وبالتالي نجاح الاستراتيجية. الخوف من بناء استراتيجية سيئة يكون حاضرا في الذهن لدى العميل والاستشاري، والحرص منهما على تجنب الاستراتيجية السيئة التي ربما تتحول إلى كارثة، فبدلا من أن تكون هذه الخطوة لدعم المنظمة إلى الأمام نجدها تؤخرها سنوات إلى الوراء. عند تناقض النتائج مع الأهداف أو عدم إمكانية تطبيق الاستراتيجية أو عدم صحة نسبة كبيرة من الافتراضات والتوقعات أو فشل الاستراتيجية في الحصول على دعم ومساندة مستمرة من قبل الإدارة العليا للمنظمة فحينئذ تُعزى المنظمة. لتجنب الإخفاق يجب اختبار الاستراتيجية على جميع السيناريوهات المحتملة (الجيدة والسيئة) والتأكد من أن المنظمة ستصمد بتبنيها هذه الاستراتيجية أو تلك. ويجب أيضا بناء الاستراتيجية لمصلحة المنظمة, والمنظمة فقط، وليس لمصلحة إدارة المنظمة، فالإدارات تتغير والمنظمة تبقى. الخوف يستمر من الطموحات الزائدة والأمنيات العالية التي لم تدرس بالشكل المطلوب، فقد تتمنى المنظمة "مثلا" الارتقاء بمستوى الجودة في عمليتها ثم بعد اعتماد هذه الاستراتيجية تفاجأ المنظمة بأن هذا يؤدي إلى زيادة المصروفات التشغيلية والتي ليس بمقدورها توفيرها، حينئذ تقع المنظمة في ورطة. بعد بناء الاستراتيجية يتحول الكلام إلى فعل وتتحول الأحلام والأمنيات إلى خطط واقعية وتنعكس الرؤية المستقبلية على الواقع الحالي والآني، وهنا يأتي التركيز على التنفيذ وقياس الأداء وتصحيح الأخطاء ومعالجة ما قد يتجه عكس المأمول، ويقف تشنيف الآذان بالجمل الرنانة, فالوقت وقت العمل لا وقت المباهاة والتلميع. التحدي يكون ربط الواقع بكل ما يحمله من قرارات وتوجهات وإجراءات وسياسات بالمستقبل من خلال الاستراتيجية، وتحويل كل ما ينفذ أو يطبق في المنظمة إلى موصل وداعم لتطبيق الاستراتيجية. تسخير التشريعات والأنظمة والإجراءات والسياسات لمصلحة تنفيذ الاستراتيجية يعد دعامة قوية لنجاح تنفيذ الاستراتيجية والظفر بالمنشود مثلها مثل تقليل هامش المراوغة والمماطلة في التنفيذ، وفرض العقوبات، والتحفيز بالمكافآت. أخيرا الحد بين النجاح والفشل يأتي من خلال وجود نظام وآليات للمتابعة والرقابة والضبط والربط.
إنشرها