Author

لا .. للخدمات الإلكترونية

|
عندما ظهرت الخدمات الإلكترونية في العالم، وصفت بأنها الحل السحري للقضاء على البيروقراطية وتعطيل الأعمال. واستبشرنا كثيرا كما استبشر الجميع بأن الانتقال إلى تطبيقات الحكومة الإلكترونية سينقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة بمجرد تطبيقنا هذه التقنية التي ستقضي على التخبط وعدم الوضوح في اتخاذ القرار، كما ستقضي على الواسطة وأنواع الفساد المكشوف وغير المكشوف. لكن لم نسمع من يحذر من أن هذه التقنية ربما تكون سلاحا ذا حدين، وقد نبقى على حالنا وأسوأ حتى مع وجود التقنية. في الدول المتقدمة أفاد استخدام التقنية في القضاء على عديد من الأمور التي كانت تؤخر إنهاء المعاملات. واستفاد من هذه الخدمات الجميع، فلست محتاجا إلى السفر من مدينة إلى مدينة لتنهي معاملة، ولست في حاجة إلى الاصطفاف أو انتظار الموظف حتى ينهي اجتماعه مع رئيسه في العمل، ثم يجلس معه ليسأله عن حاله وحال أولاده بعد الاجتماع لمدة توازي في الوقت مدة الاجتماع، ثم يخرج ليحصل على وقت راحته وينهي اتصالاته الخاصة، ثم يأتيك وقد أنهك من التعب ليقول لك «راجعنا بكرة» أو «معاملتك ليست عندي». كثير منا اضطر إلى استخدام التقنية الإلكترونية، أو أحد تطبيقات الحكومة الإلكترونية المقدم من بعض الجهات الحكومية، والكثير أيضا بمجرد أن شاهدوا الطلب المراد استكماله، والمرفقات المطلوب منهم توفيرها حتى ولو لم تكن ضرورية لنقل موضوعاتهم لمتخذ القرار، ما يصيبك بإحباط شديد، ويجعلك تؤمن بأن وجود هذه التقنية المتقدمة ربما لا يؤثر كثيرا في القضاء على البيروقراطية والفكر التقليدي في اتخاذ القرار. ثم ما تلبث أن تبدأ في السؤال لكن لن تجد إجابة شافية لهذا الأمر، فهل تفيدوننا بإجابة شافية ووافية؟ هل ستكون التقنية قادرة على تطوير الأداء الإداري وتساعد على القضاء على البيروقراطية؟ أم أننا سنصبغ هذه التقنية بعقليات أتى عليها الزمن، ولم تعد تعرف من هذه الحياة إلا التعقيد وإبطاء الإجراءات وتكثير الطلبات. المصيبة أن هذا النظام الإلكتروني حاد وصارم ولا يعطيك مجالا حتى لمحاورة مدير النظام، وهذا يستلزم منك عند رفض طلبك الإلكتروني، أن تشد الرحال وتأتي مهرولا لتستجدي الموظف بأن يتوسط لك لدى النظام حتى تحصل على حق من حقوقك، لا يفهمه النظام, لكن ربما يفهمه الموظف. وهذا ما دعاني للتشاؤم من أننا ربما نصيب حتى الخدمات الإلكترونية بالداء الذي ابتلينا به عن سائر الأمم. ذكرني هذا الأمر بالانتقادات التي طالت نظام المرور الجديد، نظام ساهر، وما زلت أفكر هل المقصود من هذا النظام حماية الأرواح والممتلكات أم أن الهدف هو تحقيق أكبر رقم من العوائد المالية؟ والفرق كبير وواضح بين الهدفين. لقد أنفقت حكومتنا الرشيدة المبالغ الكبيرة لنقل وتوطين التقنية، ولتطوير الأعمال, ولكن يبقى الأمل معلقا بأن تعي الجهات القائمة المسؤولية الملاقاة على عاتقها، وتطور أعمالها بالشكل الذي يساعد على تسهيل وتحسين الأداء، حتى ولو بالاستفادة من الخبرات والكفاءات الدولية التي تقبل بالمسؤولية وتتحمل المساءلة في سبيل ذلك. حتى نرتقي بقطاعاتنا الحكومية، وحتى لا يأتي اليوم الذي نقول فيه لا نريد التقدم، لكن رضينا بحالنا حتى لا يسوء مستقبلنا. لا بد أن يكون هدف الحكومة الإلكترونية واضحا ودقيقا، ويمكن تطبيقه حتى تعم الفائدة منها.
إنشرها