Author

السلفية .. بيتنا

|
إن السلفية هي الطريقة التي خاض من أجلها مجددو الأمة ومصلحوها حتى لا يطغى العقل على النقل ولا يصادر النقل العقل. ( 1 ) يخطئ من يعتقد أن السلفية بالمملكة العربية السعودية دعوة دينية، بل هي دعوة دينية اجتماعية سياسية، هذا هو الموجز وإليك المقال بالتفصيل: تعني السلفية في اللغة: التسوية، أو من مضى وتقدم فسلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته. أما في الاصطلاح فيقول الإمام الشهر ستاني في المِلَل والنحَّل: نتكلم ها هنا في معنى: «الدين» و«الملة» و«الشرعة» و«الجماعة» فإنها عبارات وردت في التنزيل ولكل واحد منها معنى يخصها، وحقيقة توافقها لغة واصطلاحاً وقد بينا معنى «الدين»: أنه الطاعة والانقياد، وقد قال الله تعالى: «إن الدين عند الله الإسلام» آل عمران، ولما كان نوع الإنسان محتاجاً إلى اجتماع مع آخر من بني جنسه، في إقامة معاشه، والاستعداد لمعاده، وذلك الاجتماع يجب أن يكون على شكل يحصل به التمانع والتعاون حتى يحفظ بالتمانع ما هو له، ويحصل بالتعاون ما ليس له، فصورة الاجتماع على هذه الهيئة هي: «الملّة» والطريق الخاص الذي يوصل إلى هذه الهيئة هو: «المنهاج» و«الشرعة» و«السنة» والاتفاق على تلك السنة هي: «الجماعة»، قال تعالى: «لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا»، المائدة . ويراد بالسلف اصطلاحاً الصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم وأئمة الإسلام العدول ممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعظم شأنهم في الدين وتلقى المسلمون كلامهم خلفاً عن سلف بالقبول، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» رواه البخاري، والخيرية هنا خيرية التطبيق «للمنهاج» و«الشرعة» و«السنة ». يقول الشيخ ابن عثيمين «رحمه الله»: «السلفية هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنه من سلفنا الذين تقدموا علينا فأتباعهم هم السلفيون». إن أهل السنة والجماعة هم متبعو منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم السلفيون من بين طوائف الإسلام الأخرى. ( 2 ) إن السلفية هي الطريقة التي خاض من أجلها مجددو الأمة ومصلحوها حتى لا يطغى العقل على النقل ولا يصادر النقل العقل، أو أن تطغى الخرافة والحكايا والأسطورة على الحقيقة أو أن تقصي الحقيقة الوحي والنبوة. إنها العودة إلى الرحمة التي ما بعدها إلا الفرقة والغربة والعذاب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أراد رحمة أمة، قبض نبيها فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها» رواه مسلم، ومن أولئك المجددين الذين طالبوا بعودة الناس إلى عقلهم المنضبط بمنهج السلف، الإمام محمد بن عبد الوهاب (1115 هـ - 1206هـ)، الذي قال كما قال نبيه صلى الله عليه وسلم «لا معبود بحق إلا الله» فلن تدرك أهمية تلك الحقيقة إلا إذا عاد بك الزمن ثلاثمائة سنة للوراء كما عاد الأديب الكبير طه حسين الذي في دياره «مصر» ندوة تعقد الآن تساوي بين الوهابية والصهيونية، يقول الأستاذ عن دعوتنا: «قلت إن هذا المذهب جديد وقديم معاً، والواقع أنه جديد بالنسبة للمعاصرين ولكنه قديم في حقيقة الأمر، لأنه ليس إلا الدعوة القويمة إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من كل شوائب الشرك والوثنية، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم خالصاً لله وحده ملغياً كل واسطة بين الله والناس، هو إحياء الإسلام وتطهير له مما أصابه من نتائج الجهل ومن نتائج الاختلاط بغير العرب !! .. ولكن الذي يعنينا من أمر هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب وقد كان هذا الأثر عظيماً وخطيراً من نواح مختلفة، فهو قد أيقظ النفس العربية ووضع أمامها مثلاً أعلى أحبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم واللسان وهو قد لفت المسلمين جميعاً، وأهل العراق والشام بنوع خاص إلى جزيرة العرب». وفي كتابي: السلفية بيتنا «تحت الطبع»، الذي نقلت فيه آراء العلماء والأدباء في الإمام محمد بن عبد الوهاب والدعوة السلفية يقول السيد بلجريف : « والمكانة التي يحتلها محمد بن عبد الوهاب في الدين الإسلامي هي الطابع الصحيح للإسلام نفسه .. أشير إلى فكرة غير صحيحة وهي أن كثيرا من المؤلفين يطلقون على هذه المرحلة من الإسلام: «الحركة المحمدية» ويقارنون هذه المرحلة بالحركة الدينية التي حدثت في أوربا خلال القرن السادس عشر وتسمى حركة «الإصلاح» بقيادة مارتن لوثر حين أسس البروتستانتية منشقاً عن الكاثلوكية ... والواقع أن المغزى المتبادل بين الإسلام والوهابية والمغزى المتبادل بين المسيحية بصفة عامة والبروتسنتية العقدية لا سبيل لإيجاد أي نوع من التوازي أو التماثل بينهما .. فالمصلح الوهابي هو الذي وضع تصميم إعادة عقارب ساعة الإسلام إلى نقطة بدايته، ومن هنا يكون قد أبلى بلاء حسناً، والسبب في ذلك أن هذا العقرب قُصد له أن يكون ثابتاً منذ البداية، والإسلام في جوهره ثابت ومستقر وصمم ليبقى هكذا». ( 3 ) هذا عن الدعوة الدينية أما عن الاجتماع الأنثروبولوجي فنحن بالجزيرة العربية أصل العرب وأمة العرب أمة روحانية لا يمكن أن تعيش بلا دين فإما الإسلام على منهج السلف أو أي شيء آخر باستثناء العلمانية. يقول الإمام الشهر ستاني ذاته: «ومنهم من قسم – العالم – بحسب الأمم فقال كبار الأمم أربعة: العرب، والعجم، والروم، والهند، ثم زاوج بين أمة وأمة: فذكر أن العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد، وأكثر ميلهم إلى تقرير خواص الأشياء والحكم بأحكام الماهيات والحقائق، واستعمال الأمور الروحانية. والروم والعجم يتقاربان على مذهب واحد، وأكثر ميلهم إلى تقرير طبائع الأشياء والحكم بإحكام الكيفيات والكميات، استعمال الأمور الجسمانية». أما عن الاجتماع المدني فيقول عالم السياسة الشرعية البارز «د. رضوان السيد رئيس الهيئة الاستشارية لمركز ابن الأزرق لدراسات التراث السياسي»: لقد حفلت بدايات الاجتماع العربي القديم بقضايا البحث عن جذر لا يسوغ الاجتماع فقط، بل يؤسسه بحيث يمكنه الاستمرار وكان إبراهيم وكانت حنفيته ذلك الرمز الموحّد الذي يشهد على حضوره، حضور البيت بمكة، وإذا كانت العشيرة كافية لتأسيس حي إعرابي، وكانت القبيلة كافية لتأسيس قرية، فإن العشيرة والقبيلة لم تكونا كافيتين لتأسيس اجتماع مديني. إن الاجتماع المديني يقتضي ديناً أو نصاً من خارج يتساوى الجميع في ظلّه، فيوحّد، ويضبط، ويشرع، وتنفسح آفاقه فوق روابط الدم، والجغرافية والاقتصاد التجاري أو الزراعي فتكون المدينة». ( 4 ) هذا عن الاجتماع الأنثروبولوجي والمديني أما عن السياسي فيقول المفكر السوري «ميشيل كيلو» في مقالته بجريدة السفير اللبنانية: «جاء الإسلام كفكرة جامعة مكّنت القبائل من تخطى حالة التمزق القاتلة عندما نقل مركز الجماعة القبلية العربية من الأرض إلى السماء وجعل علاقات الفرد لا تتعين بقبيلته بل بدينه كفكرة جامعة وموحدة تساوي جميع الأفراد أمام منظومة معايير أخلاقية وسلوكية جديدة حلت محل المعايير القبلية التي فرقتهم ووضعتهم في مواجهة دائمة بعضهم مع بعض، ونقلت مكان السلطة والإدارة من شيخ القبيلة إلى صاحب الدولة الخليفة الراشد ثم الملك. بذلك أتت الفكرة الجامعة بانقلاب طاول ثلاثة مجالات مقررة: علاقة الفرد بحقله الروحي، وعلاقته بحقله المجتمعي، وعلاقته السياسي وأحلت في المحصلة النهائية هوية عليا جامعة يمكن أن يعاد في ضوئها تعريف وتعيين مختلف جوانب وجودهم». أما عن صاحب الدولة «الملك» فيقول ابن المعتز: الدين بالملك يقوى، والملك بالدين يبقى فبقاء الملك بظهور الدين وظهور الدين بقوة الملك. وكعب الأحبار يقول: مثل الإسلام والسلطان والناس كمثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام والعمود السلطان والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضها إلا ببعض. ( 5 ) أخي المسلم المبتدع أو العربي الضال أو السني الحزبي أو المذهبي المعلّب، والحامل لتصورات خاطئة .. خلقتها لنفسك ثم صدقتها. إن السلفية ليست عالماً له اجتهاده الخاص فجعل الفروع أصولا وأدخل الفقه في العقيدة، أو دعياً مستثمرا لها، أو مناطقياً مأفوناً يربط بين الدم والدين، أو منكراً منفعلاً، أو جماعة منزوية تفرض الوصاية على الناس فتقدس الأقوال والأشخاص .. أو أولئك الخوارج الجدد الذين حاربناهم بالسنان والبيان وآخرها بيان هيئة كبار علمائنا حول الإرهاب وتمويله. أخي .. إن السلفية ليست كذلك فهي أكبر بكثير منك ومنهم فإن استهدفت أياً من أولئك الاستثناء فالله يقويك، أياً يكن غرضك عندها، فنحن المستفيدون في النهاية وإن كنت تستهدف نظامنا العقدي والاجتماعي والسياسي فالله يقوينا عليك، وحينئذ عليك أن تستعد لمواجهة اثنين وعشرين مليون سعودي ومن ورائنا مئات الملايين من المسلمين الذين يعشقون الأرض والرسالة، وأنصحك بألا تحاول فنحن معنا الله ثم ممارسة وتجربة إنسانية فريدة شهد لها من قرأت لهم آنفاً، خلالها سقطنا وقمنا، تبعثرنا وتجمّعنا، ذهبوا وبقينا. أيها السعوديون .. السلفية بيتنا .. السلفية قدرنا.
إنشرها