Author

في عقلك ديدان كثيرة

|
حرص أحد الأطباء على توضيح خطورة تعاطي الخمور في محاضرته أمام مجموعة من مدمني الكحول، فوضع أمامهم على المنصة إناءين يبدوان متماثلين، وصب في كل منهما سائلا شفافا، أحد الإناءين كان به ماء نقي أما الآخر فكان كحولا مركزا، ثم قام بوضع دودة صغيرة في إناء الماء، وتمكن كل الحاضرين من رؤيتها، وهي تسبح متجهة إلى أحد جانبي الإناء، واستمرت زاحفة حتى وصلت إلى الفوهة، بعد ذلك وضع الدودة ذاتها في إناء الكحول فتحللت تماما أمام أعينهم، وهنا أطلق الطبيب سؤاله في القاعة بصوت تعلوه الثقة: والآن.. ما الدرس الذي نتعلمه من هذه التجربة؟؟ فرد عليه صوت أحد الحضور من المدمنين قائلا بكل وضوح: «لقد تعلمنا أن شرب الكحول يفيد في القضاء سريعا على ديدان البطن». عقلك به كثير من هذه الديدان، بمعنى أنك سوف تسمع وتلاحظ بالضبط ما تريد سماعه ومشاهدته، لأن مرشحات الإدراك لديك لا تلتقط إلا ما يتوافق مع البارادايم الخاص بها أو ما يمكن أن نطلق عليه باللغة العربية منظور العقل. والبارادايم مصطلح يعني مجموعة القناعات والخبرات ونمط الأفكار التي يعتنقها الشخص، وتحدد له دوائر التحرك وطريقة سيره في هذه الدوائر، فنحن ندرك العالم عبر حواسنا الخمس ثم نقوم بإضفاء المعنى على هذه المعلومات، ونتصرف بناء عليها، والعالم عبارة عن احتمالات لا نهائية لانطباعات الحواس، ولا يمكننا أن نستقبل إلا الجزء اليسير منه ثم تتم تصفيته عبر تجربتنا الذاتية وثقافتنا ولغتنا ومعتقداتنا وقيمنا وافتراضاتنا واهتماماتنا، ولذلك فنحن لا نستطيع أن نرى المعلومات الموجودة حقيقة في العالم إذا لم تكن تتماشى مع قوالبنا البارادايم أو مرشحات إدراكنا psychological filter، وكل تغيير في هذه القوالب الفكرية سيؤدي إلى تحول كبير في الشخصية ونمط الحياة. لتجديد البارادايم الشخصي يجب إعادة التأمل في نمط البارادايم الحالي، وتقبل احتمالية الخطأ أو الصواب فيه مع التحلي بالمرونة في التعرف على آراء مختلفة، والإيمان بأن هناك أكثر من إجابة صحيحة للسؤال الواحد ما يستلزم عدم الاستهزاء من أفكار الآخرين، والحرص على تفادي التعميم فهو السم القاتل للبارادايم، والاستمتاع بالمرح والخيال، وتنويع الصداقات والهوايات ومصادر المعلومات، مع الاقتناع الكبير بأن مستحيل اليوم ليس بالضرورة أن يبقى كذلك في المستقبل القريب أو البعيد.
إنشرها