Author

امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها

|
يوجب مبدأ المشروعية خضوع الأفراد والدولة بجميع إداراتها وأجهزتها للقانون. ويعد القضاء الإداري (ديوان المظالم) أحد الضمانات لسيادة حكم القانون وحماية حقوق الأفراد ومصالحهم من أخطاء وتعسف الإدارات الحكومية, ويوجب مبدأ المشروعية أيضاَ إلزام الجهة الإدارية الحكومية بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها متي أصبحت نهائية واكتسبت حجية وقوة الشيء المقضي به، فتنفيذ الجهة الحكومية الأحكام الصادرة ضدها يعد امتثالاً للقانون وخضوعاً له. ويحدث أحياناً أن تمتنع الجهة الإدارية عن تنفيذ حكم قضائي صادر ضدها، وأسوق على ذلك مثالاً بالخبر الذي نشرته جريدة ''الرياض'' في ملحقها الاقتصادي بتاريخ 01/6/1431هـ الموافق 15/5/2010, مفاده أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد رفضت تنفيذ حكم صادر ضدها من إحدى المحاكم الإدارية في ديوان المظالم يقضي بإلزامها تعويض إحدى الشركات بمبلغ 1866427 ريالاً بسبب فسخها عقدا أبرمته مع الشركة المدعية لأسباب لا شأن للشركة بها. ورغم أن الحكم المذكور أصبح نهائياًَ وواجب التنفيذ إلا أن الوزارة رفضت تنفيذه لأنها تعده حكماً جائراً وغير عادل. جرمت بعض القوانين المقارنة مثل القانون المصري امتناع الموظف الحكومي عن تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضد إدارته, حيث نصت المادة 72 من الدستور المصري الصادر سنة 1971 بأن ''تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون، وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة''. وقررت المادة 123 من قانون العقوبات المصري بأنه ''يعاقب بالحبس والعزل كل موظف حكومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة، أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو أي جهة مختصة، كذلك يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمداً عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر، إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلاً في اختصاصه''. وحدد قانون العقوبات المصري مدة عقوبة الحبس في هذه الحالة بألا تزيد على ثلاث سنوات. ويرى بعض فقهاء القانون المصري أن هذه العقوبات تطبق في حالة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، سواء كانت لمصلحة الأفراد أو لمصلحة شخص عام آخر، وسواء تضمنت الحكم بمبالغ نقدية أو إلغاء قرارات غير مشروعة. ويضاف إلى ذلك أن من حق المحكوم له أن يرفع دعوى ضد الموظف المختص والجهة الإدارية التابع لها للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء الامتناع عن تنفيذ الحكم القضائي. وفي السعودية توجد قواعد قانونية عامة بشأن تنفيذ الأحكام القضائية, حيث نصت المادة (50) من النظام الأساسي للحكم بأن ''الملك أو من ينيبه معنيون بتنفيذ الأحكام القضائية'', كما أن من اختصاصات أمير المنطقة المنصوص عليها في المادة السابعة من نظام المناطق تنفيذ الأحكام القضائية بعد اكتسابها صفتها النهائية، ونظمت أحكام الباب الـ 12 من نظام المرافعات الشرعية قواعد وإجراءات التنفيذ, لكن لا يوجد ـ حسب علمي ـ نص قانوني خاص بمعالجة مسألة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها, وبالتالي لا توجد عقوبات محددة يتعين تطبيقها على الموظفين المختصين الممتنعين عن تنفيذ هذه الأحكام. ولذلك أقترح أن يسن المشرع السعودي نصوصاً قانونية خاصة بهذا الشأن تحدد الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية, وتحدد أيضاً العقوبات التي يتعين تطبيقها على المسؤولين الذين يرفضون عمداً تنفيذ هذه الأحكام. ولا يعني في تقديري عدم وجود نصوص قانونية خاصة بهذا الشأن انعدام الوسائل القانونية لإجبار الجهة الإدارية على تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضدها، إذ يمكن اتخاذ الإجراءات التالية: 1- يرفع المحكوم له تظلماً للوزير أو رئيس المصلحة المستقلة يحيطه علماً بامتناع الجهة المختصة في وزارته أو المصلحة التي يترأسها عن تنفيذ الحكم القضائي ويطلب منه إصدار الأمر إلى تلك الجهة بتنفيذ الحكم القضائي. 2- إن لم يستجب الوزير المختص أو رئيس المصلحة المستقلة لهذا الطلب، يحق للمحكوم له أن يرفع الموضوع إلى الملك, لأنه مرجع جميع السلطات في الدولة طبقاً لنص المادة 44 من النظام الأساسي للحكم, ملتمساً صدور أمره السامي للجهة الإدارية المحكوم عليها بأن تنفذ الحكم القضائي. 3- كما أن من حق المحكوم له أن يرفع دعوى أمام إحدى المحاكم الإدارية المختصة في ديوان المظالم ضد الجهة الإدارية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء امتناعها عن تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضدها. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن نظام محاكمة الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 88 وتاريخ 22/9/1380هـ قرر في مادته الخامسة معاقبة المتهم بالسجن لمدة تراوح بين ثلاث وعشر سنوات إذا ارتكب جرائم محددة منها تعمد مخالفة النظم واللوائح والأوامر, التي يترتب عليها ضياع حقوق الدولة المالية أو حقوق الأفراد الثابتة شرعاً أو نظاماً أو التدخل الشخصي في القضاء. ولا شك أن الامتناع العمدي للوزير أو رئيس المصلحة المستقلة عن تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضد وزارته أو المصلحة التي يترأسها، الذي قرر حقوقاً للمحكوم له, يشكل جريمة بموجب المادة الخامسة سالفة الذكر, لأن الحكم القضائي النهائي القاضي بتقرير حق معين للمحكوم له يعد عنواناً للحقيقة القانونية، وليس ثمة مجال بعد اكتسابه حجية وقوة الشيء المقضي به، للمجادلة أو المنازعة في ثبوت هذا الحق، فالقضاء هو حامي الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية. والامتناع العمدي عن تنفيذ أحكام القضاء النهائية يعني رفض الامتثال لسلطان الشريعة والنظام.
إنشرها