ما يحدث في الغرب من إساءات للإسلام هو بسبب أبنائه!..
ازدادت حملات الإساءة والكراهية والعداء للإسلام في الولايات المتحدة وأوروبا في السنوات الأخيرة، كما لم يحدث مثيل لها في أي عصر من العصور تجاه أي دين من الأديان السماوية، وتراوحت هذه الحملات بين نسبة كل الأعمال المتصلة بالإرهاب للمسلمين، وتوالي صدور القرارات بمنع المنقبات من الظهور في الحياة العامة، وصولاً إلى منع بناء منارات المساجد، والتضييق على المسلمين أثناء ممارستهم للعبادات وإقامة المؤتمرات والندوات والدروس الدينية!...، وقبل ذلك وبعده ما زلنا وسنظل نذكر تلك الرسوم الهزلية (الكرتونية) المنسوبة إلى الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - التي هزت مشاعر المسلمين وآذتهم في معتقداتهم، وكان يكفي لها أن تكون بمثابة الناقوس الذي يدق في آذانهم لينبئهم بما يحاك للإسلام من مؤامرات دنيئة هدفها التقليل من شأنه، وازدرائه في عيون محبيه ومن يحترمونه من أبناء الديانات الأخرى!..
ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بما سوف تسفر عنه السنوات المقبلة من ممارسات وقرارات موجهة ضد الإسلام والمسلمين، بيد أن ما يلوح في الأفق ينبئ عن أن المستقبل سوف يكون أسوأ بكثير من الحاضر في مجال الإساءة للإسلام والتضييق على أبنائه، دون أن تكون لهم القدرة على مواجهة تلك الحملات بأي وجه من الوجوه!..لكن دعونا نفكر ونتأمل ثم نتساءل عن الأسباب التي أدت بالعلاقة بين المسلمين وغيرهم إلى هذا المستوى المنحدر من المشاعر، والشعور لدى كل منهما تجاه الآخر؟!..، ونبدأ الإجابة بتساؤل آخر مؤداه هل كانت هذه هي الحال في الماضي قبل ثلاثة أو أربعة عقود؟! أم أن الحاصل الآن هو وليد ممارسات من العنف الناتج أحيانا عن الشعور بالامتعاض والظلم من قبل بعض أبناء المسلمين أحدثت من ردود الفعل السيئة لدى غيرهم ما أحدثت، مما لم يفكر فيه متبنوها ومنفذوها!..، حتى إن كل فعل أتى بردة فعل أحدثت من الإساءة والتأثير أكثر مما أحدثه الفعل ذاته!..، إلى أن أغلقت الأبواب في وجوه قادة الإسلام وحكمائه عن أن يمارسوا دورهم في إيضاح المنهج الحقيقي للإسلام في التآخي ونشر السلام، فانفرد بالساحة من يثيرون الفتن ولا يستطيعون إخمادها، وهم تلك الفئة التي خرجت إلى الغرب مهاجرة أو لاجئة فحصلت على مبتغاها في العيش والإقامة، وتمكنت من تسلم منابر الدعوة والخطابة والتدريس في المساجد والمراكز والمدارس الإسلامية، بصرف النظر عن مدى امتلاكها للفهم الصحيح للدين الإسلامي، أو معرفتها بأصوله ومناهجه، وقواعد الدعوة إليه والتقريب منه، يضاف إلى ذلك سوء في المظهر يعكس المخبر، وعنف في الخطاب يغلق الأبواب، بحيث لم يعد هناك أي تقارب أو تفهم لحقيقة الإسلام، ونجحت تلك الفئة في تشويه صورة الإسلام بممارساتها وأساليبها في الحياة والعيش مع الآخر، وأصبحوا، وهم في ديار الغرب وضيافته، يرون أنفسهم وكأنهم هم المتفضلون بالإقامة فيه!..،
دعونا نعود إلى الوراء ونسترجع حالة الوضع قبل عدة عقود عندما كان المسلمون مرحبا بهم في كل مكان، بل إن الدول الغربية كانت تتسابق إلى منح أبناء الجالية الإسلامية أفضل المواقع ليقيموا عليها مساجدهم ومدارسهم ومراكزهم الإسلامية، بل مكتباتهم التي كانت تعج بالكتب الإسلامية من كل عقيدة ومذهب، دون أن يفكر أحد في تلك البلدان بوضع حظر على أي شيء فيها!..، وأتذكر، في هذا الخصوص، حينما كنا مجموعة طلبة ندرس في مدينة لوس أنجلس في السبعينيات الميلادية، أننا كنا نقيم صلاة الجمعة في واحدة من أكبر قاعات الجامعة دون أن يعترض علينا أحد، ثم إن السلطات المحلية قامت بتخصيص واحد من أهم المواقع في المدينة لإقامة مركز إسلامي متكامل، ولعل عدد المساجد والمراكز الإسلامية في الغرب بعامة في الوقت الحاضر ينبئ عن الترحيب الذي كان يلقاه أبناء الجاليات الإسلامية!.، وأصبحوا يفتقدونه في الوقت الحاضر!..
أما مسألة النقاب فتجد بعض الدول نفسها مضطرة إلى منعه، أولاً: لأنه غير الحجاب الشرعي المأمورة به المسلمة، الذي يكشف ما أباحه الإسلام، وثانياً: لأنه قد يكون وسيلة للتنكر وإخفاء الشخصية والجنس لأي سبب، بما في ذلك من يريد السرقة أو ممارسة الأعمال الإرهابية، والتهرب من آلات التصوير التي يعتمد عليها الغرب في ضبط العملية الأمنية، وغير بعيد عنا حالات التخفي تحت النقاب التي حصلت من بعض الإرهابيين داخل المملكة، وكشفتها قوات الأمن!..، ولنتصور امرأة (وقد يكون رجلا) في هيئة شبح يظلله السواد بكامله يسير في أحد شوارع المدن الأوروبية، ألا يخيف هذا المنظر المجتمع هناك الذي لم يعتد عليه؟!.، ولو قيل للمجتمع إن هذا هو ما يتطلبه الإسلام ألا يعد ذلك أكبر إساءة للإسلام؟!.، الذي عرف المجتمع هناك بعض أبنائه متعايشين بينهم بسلام؟!.
وأما مآذن المساجد فدورها لا يتعدى رفع النداء لإعلام المسلمين المجاورين للمسجد بحلول وقت الصلاة، فإذا كان معظم المجاورين للمسجد من غير المسلمين، كما هو مشاهد في كثير من المدن، أو إذا كان هناك من غير المسلمين المجاورين من يتأذى من رفع النداء، إما لأنه مريض، أو عامل يحتاج إلى الراحة ليستأنف عمله وإنتاجه، فما الضرورة لرفع النداء في مثل هذه الحالات؟!، بخاصة والمسلمون هناك يعرفون وقت الصلاة، وهناك أمكنة كثيرة في العالم الإسلامي، ومنه بلادنا، تقام فيها الصلاة دون وجود مآذن!..، ولنتصور شخصاً مريضاً أو عاملاً يقيم بجوار المسجد يرفع عليه النداء خمس مرات، ما شعوره تجاه الإسلام حين يناله الأذى والإزعاج؟!.
إنني أخشى من إساءات أخرى، أو قرارات جماعية، تلحق بالإسلام إساءة أكثر، مثلما دعت إليه نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، وهو ضرورة تعميم منع النقاب في أوروبا كلها (صحيفة الشرق الأوسط 4/5/2010)، وذلك ما لم تتحرك قيادات العالم الإسلامي ومنظماته لإعادة تصحيح مفهوم الإسلام في الغرب، والتصدي لمحاولات بعض من ينتمون إليه للإساءة له أكثر!..
والله من وراء القصد.