Author

قراءة مستقبلية لسوق العقار والاقتصاد

|
منذ بدأت الأزمة الاقتصادية قبل عامين كنت أؤكد أنها لن تطول أكثر من عام واحد. وفعلاَ وصلت الأزمة إلى القاع وبدأ الاقتصاد العالمي يستعيد نموه فمن كان يرى الرأسمالية تترنح ومن كان يرى أنها تحولت إلى نظام مركزي أو شيوعي ومن ذهب به الاعتقاد إلى أن الجامعات ستغير تدريس مناهج الاقتصاد. والحقيقة أن النظام الرأسمالي كنظام هو نظام لا غبار عليه وهو النظام الذي تسير عليه معظم دول العالم المتحضر. ولكن الاختلاف أو الخلط بين النظام الرأسمالي كنظام ومن يسيئون استخدامه. ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بسبب النظام الرأسمالي بل هو بسبب التلاعب أو الاستغلال السيئ له أو ما يسمى بغفلة التنظيم الحكومي. وما حدث في الولايات المتحدة هو ضعف أو فتح الباب من قبل الحكومة الأمريكية للتغير والتلاعب في بعض الأنظمة مثل نظام الرهن العقاري. وترك الحبل على الغارب لبعض الشركات لإعطاء قروض عقارية دون التحقق من مستنداتها أو من مدى مطابقتها للشروط وكذلك قيام بعض البنوك والمؤسسات المالية لتصنيف القروض بالتلاعب أو فتح المجال أكثر من اللازم وإعطاء قروض مضاعفة أو بعشرات أضعاف المرات للأصول، إضافة إلى بعض الفساد الإداري سواء في الحكومة الأمريكية أو القطاع الخاص. إن النظام الرأسمالي العالمي لم ينهر ولم يسقط، بل قام بحركة تصحيحية ولكن أقل ما سيصل إليه هو أفضل مما نحن عليه في دولنا فتلك دول تملك شعبا يعمل وخبراء ومستشارين وثروات أكبر ولكنها لو لم تبالغ في الإنفاق غير المبرر لرواتب بعض مديري الشركات وبعض البرامج الاقتصادية وبرامج الفضاء والحروب لكفاها ذلك للخروج من هذه الأزمة. نحن نعتبر أنفسنا في نظام رأسمالي وسوق حر ولكننا أيضا نظام رأسمالي مركزي فهل نحن تحت نظام رأسمالي أم مركزي؟ أم أننا في نظام اقتصاد مختلط؟ وبالطبع فإن الأفضل لنا هو النظام الإسلامي، الذي لم يكتمل بعد. وكم عدد المستشارين الماليين والاقتصاديين لدينا الذين يستطيعون تفسير السوق والاقتصاد السعودي، وما خبراتهم المتراكمة؟ كم عدد المستشارين والمحللين الماليين والخبراء الذين يديرون استثماراتنا ومدخراتنا؟ والأهم من ذلك هو هل لدينا سياسة نقدية ومالية واقتصادية؟ وهل لدينا اقتصاد متكامل ومترابط يرد على بعضه بعضا؟ معظم أنظمتنا لم تر النور بعد. كما أننا نتحدث عن النظام المالي الإسلامي ولكننا حتى الآن لم نستطع بعد تحديده بشكل واضح. وهو بسبب تكاسلنا في صياغته ووضعه بصورة متكاملة فما زالت البنوك لدينا تعمل بالنظام الرأسمالي ولكن بتعديل بعض أجزائه المتعلقة بالربا لتصبح تورقا فقط. وأعتقد أن النية واحدة. وإن كنا قد تضررنا من الأزمة إلا أنها كانت فرصتنا للاستفادة من سلبياتها والاحتياط لها مستقبلاَ في أنظمتنا، وألا نقع في المشكلة نفسها مرة أخرى.  إن المشكلة ليست تداعيات النظام الرأسمالي فقط بل إن العامل الأكبر هو أن العالم شهد خلال الخمس إلى ثماني سنوات الماضية تضخماَ كبيراَ في الأسعار سواء في المواد الاستهلاكية أو مواد البناء، وكذلك أسعار العمالة، وكان المعدل أكثر من 10 في المائة سنوياَ، أي بارتفاع وصل إلى أكثر من 100 في المائة أحيانا بينما معدل التضخم الطبيعي لا يتعدى 1 إلى 2 في المائة. لذلك فإن ما يحدث اليوم هو حركة تصحيحية للاقتصاد. وهي إحدى دورات السوق التي نمر بها كل 30 إلى 50 سنة. وأشرت إلى أن الأسهم والاستثمار في الأشهر القليلة المقبلة ستكون مثل سقوط الكرة على الأرض أو مثل كرة اليويو. ولكنه لن يستمر طويلاَ ولن يعود إلى مستواه السابق بل أن أسعار الأسهم والعقار ستقف عند هبوط بقدر20 إلى 30 في المائة ثم ستستمر للعودة إلى المستويات السابقة تدريجياَ بعد سنتين إلى أربع سنوات. من هذا المنطلق فإن توقعاتي للسوق العقاري لن تتأثر كثيراَ، حيث سيعود كثير من رؤوس الأموال المهاجرة مرة أخرى للوطن، كما حدث بعد كارثة 11 أيلول (سبتمبر). وإننا كسعوديين نختلف عن العالم، فبدلاَ من وضعها في الذهب نضعها في العقار (الذي يمرض لكن لا يموت) كما يقولون. وهذا سيساعد على عودة الطفرة العقارية مرة أخرى ولكن بتعقل وبتدرج على مدى سنوات أطول. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار مواد البناء والعمالة مما سيزيد من ذلك التوجه. إن السوق العقاري وصل إلى القاع وإنه سيكون هناك توجه للارتفاع التدريجي ولكن ليس بالجنون السابق. وليس لكل أنواع الاستثمار العقاري فقد يكون هناك توجه أكبر للاستثمار في قطاع الإسكان والسياحة. ولكن قليل من الاستثمار المكتبي والتجاري والصناعي. إننا بالرغم من الأزمة وتوقعنا أن تنخفض الأسعار فإن ذلك لن يحدث، فالأسعار سترتفع لمعظم السلع وليس كلها. إن الحلول التي تلجأ لها بعض الدول الكبرى لمعالجة الأزمة الاقتصادية لا بد أن تؤثر أو تسبب رفع مستوى التضخم عالمياَ. وبذلك فإننا موعودون بارتفاع في أسعار العمالة ومواد البناء. وما ارتفاع أسعار الحديد هذه الأيام إلا أحد مخرجاتها. وحتماَ فإن ذلك سيؤثر في أسعار العقارات ونوع الطلب على أنواعها المختلفة مثال أن يكون هناك طلب أكبر على الشقق السكنية وحتى الصغيرة منها. وتوقعي لارتفاع أسعار بعض أنواع العقار تؤكده النظرية التي تقول إننا كدولة أصبحنا نضخ مليارات في بناء البنية التحتية والعلوية مثل مشاريع الصرف والمياه ومليارات لإعانة شركة الكهرباء والمدن الاقتصادية والمعرفية. كل هذا الإنفاق سيكون له قيمة مضافة لأسعار الأراضي. هذا إذا ما قارناها بما يصرف على البنية التحتية في الدول المحيطة بنا. وهذه المشاريع ستساعد على جذب الاستثمارات وإعطائنا قيمة مضافة أفضل مما هو حولنا. وهذا بالتالي سيساعد على رفع قيمة أسعار العقار قليلاَ ولكنها قد لا تكون واضحة بسبب التضخم، بل إن ارتفاع الأسعار في المواد الأخرى يجعلها نسبياَ كما لو أنها لم ترتفع كثيراَ.
إنشرها