Author

حرب المياه العالمية .. تقترب!

|
تقرر أن يعقد في جدة في تشرين الأول (أكتوبر) 2010 المنتدى الدولي السعودي للمياه والطاقة وتحضره مجموعة كبيرة من العلماء والمهتمين بموارد المياه والطاقة من كل أنحاء العالم، وسيكون في مقدمتهم المهندس عبد الله الحصين وزير المياه والكهرباء، ولعله من حسن الصدف أن يعقد هذا المؤتمر في ظروف يتصاعد فيها الصراع حول موارد المياه في منطقة الشرق الأوسط. منذ سنوات قليلة خلت كان المراقبون يقولون إن الحرب العالمية المقبلة ستندلع من منطقة الشرق الأوسط، وستنفجر الحرب بين الدول بسبب النقص الهائل في المياه، وكنا حينما نسمع هذا الكلام لا نأبه به كثيرا، بل كنا نستبعده لأن إسرائيل كانت تغرقنا في مشكلاتنا التي لا تنتهي ولن تنتهي. لكن يبدو الآن أن مزامير الحرب ــ بسبب المياه ــ بدأت تقرع طبولها في أكثر من مكان. لقد أصبحت إسرائيل تستحوذ بالقوة على النصيب الأكبر من المياه العربية المتدفقة من نهر الأردن ونهر الليطاني وبحيرة طبرية، لكن العرب بسبب تمسكهم بسراب خيار السلام صرفوا النظر عن بناء قواتهم المسلحة طوال أكثر من 30 عاماً، وكانت النتيجة أن القوات المسلحة في الدول العربية ضعفت عسكرياً مقابل استمرار إسرائيل في بناء قواتها المسلحة بكل أشكال وألوان الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا. إزاء هذا التفوق العسكري الإسرائيلي بات العرب يقبلون مرغمين ومذعنين بالوضع الحالي لأزمة المياه، لكن أزمة المياه بين العرب وإسرائيل ستدخل ــ عاجلاً أو آجلا ــ مرحلة تستحيل معها الحياة دون ماء، وعندئذ تكون الحرب بين العرب وإسرائيل على المياه خيارا لا مفر منه. وبالنسبة لسورية والعراق، فإنهما تتأذيان من مجموعة السدود التي أنشأتها تركيا للتحكم في تدفق مياه دجلة والفرات، وطبعاً يعد الانخفاض في تدفق المياه إلى نهري دجلة والفرات تهديداً مباشراً للحياة في سورية والعراق. لكن الحكومة التركية بزعامة حزب العدالة الإسلامي نجحت في بناء علاقات ودية حميمة مع كل الأقطار العربية، هذه العلاقات الحميمة مكنت هذه الدول من التوصل إلى الحد الأدنى من الاتفاق مع تركيا. أمّا دول الخليج العربية فقد واجهت الحكومات الخليجية شح المياه بتنفيذ أكبر مشاريع تحلية المياه في العالم، واستطاعت أن تعالج مشكلة النقص في المياه بالتحلية، لكن تحلية المياه ــ كما يقول الخبير العالمي فاروق الباز ــ لا تصلح للزراعة، بمعنى أن تحلية مياه البحر روت ظمأ الناس لكنها لم ترو ظمأ الأرض، وبذلك فشلت خطط الأمن الغذائي في دول الخليج التي كانت ترمي إلى توفير سلة الغذاء للمجتمع الخليجي في أي وقت وبأقل الأسعار الممكنة. واليوم بدأت أهم إحدى مشكلات المياه تطل بقفازات من حديد، فقد أعلنت ثماني دول إفريقية اعتراضها على حصص المياه التي تأخذها مصر والسودان من نهر النيل، وفشل آخر المؤتمرات الذي عقد في شرم الشيخ في الشهر الماضي في التوصل إلى اتفاق يسوي الخلافات بين هذه الدول, التي يبدو أنها أخذت أبعاداً سياسية واقتصادية وقانونية بالغة التعقيد. وكانت مصر تريد أن تستبق الأحداث فدعت الدول المطلة على نهر النيل (ثماني دول + مصر والسودان ) إلى اجتماع في شرم الشيخ للتوفيق بين دولتي الحوض (مصر والسودان) ودول المنبع الثماني. وكان أهم الأوراق المطروحة للحوار هو اتفاق الإطار الذي نظمته اتفاقية دولية حبكتها بريطانيا العظمى عام 1929 حينما كانت الدولة العظمى التي كانت تستعمر عدداً كبيراً من دول إفريقيا. وكانت الاتفاقية المذكورة قد نظمت العلاقة على أساس ما تملكه كل دولة من الأراضي الزراعية، ويومذاك حصلت مصر على 55 مليار متر مكعب على أساس ملكيتها ستة ملايين فدان من الأرض الزراعية، وحصلت السودان على 28 مليار متر مكعب، وذهبت باقي المياه إلى الدول الثماني الأخرى وفي طليعتها إثيوبيا التي تتقدم جميع الدول المعارضة لمصر والسودان. وتراهن الدول المعارضة على ضرورة إعادة النظر في اتفاقية الإطار وإعادة توزيع الحصص على أساسين, الأول يعتمد على نسبة مساهمة كل دولة في مياه النيل، والثاني المستوى الذي بلغته الأراضي والموارد والحاجة إلى المياه في السنوات الـ 50 الأخيرة. لكن مصر تعترض على هذا الموقف وتراهن على أن اتفاق الإطار الذي وقع من جميع دول حوض النيل عام 1929 هو بمثابة اتفاقية دولية نافذة وسارية المفعول، لكن مصر ــ مع ذلك ــ تقبل بالتفاوض والحوار وإجراء بعض التعديلات بما يراعي المستجدات في الدول الإفريقية ومشاريعها. إن أهم ما يلفت الانتباه في قضية الخلاف الجديد بين مصر والسودان من ناحية وثماني دول إفريقية من ناحية أخرى, هو التغيير الكبير في المناخ السياسي والاقتصادي في القارة السمراء، فمصر في الستينيات أخذت من دول إفريقيا كل الذي تريده حينما كانت مصر تقود حركة تحرير إفريقيا وكان الرئيس جمال عبد الناصر يومذاك زعيماً ليس لمصر فقط، وإنما لكل إفريقيا، ولذلك استطاع أن يبني السد العالي كما استطاع أن يأخذ مع السودان النصيب الذي يريد من المياه، أمّا اليوم فإن الأوضاع الاقتصادية والسياسية تساعد دول إفريقيا على التمرد ومراجعة الاتفاقات السابقة كافة، لأن مصر لم تعد مصر عبد الناصر، وإنما تراجع دورها السياسي ــ مع الأسف الشديد ــ حتى وصل إلى درجة الغياب التام، وأمام هذا الغياب دخلت إسرائيل التي كانت تتحين فرصة خروج مصر من القضايا الإفريقية (وأيضاً العربية) وأصبح لإسرائيل حضور قوي في إفريقيا وبالذات في إثيوبيا التي عقدت معها اتفاقيات لبناء سدود في نهر النيل، يضاف إلى ذلك أن الوضع الاقتصادي في دول إفريقيا يفرض على هذه الدول المطالبة بمراجعة الاتفاقات السابقة والحصول على كامل حقوقها المائية في نهر النيل . وإذا كان المفاوض المصري يلوح بالعامل الديمغرافي ويقول إن مصر بلغت 82 مليون نسمة، فإن بعض دول إفريقيا تجاوزت 100 مليون نسمة، ولذلك فإن ورقة العامل الديموغرافي لم تعد ورقة مقنعة في المفاوضات، بل أصبحت ورقة لمصلحة الدول التي تطالب بإعادة توزيع حصص مياه النيل. إن المطلوب من مصر أن تسعى إلى الحوار مع هذه الدول, وأن تجعل الحوار اللغة الوحيدة في عمليات التفاوض حتى الوصول إلى اتفاق ثابت وراسخ حتى لو اضطرت مصر إلى التنازل عن بعض مواقفها، لأن التهديد بالحرب الذي يلوح به بعض المصريين لن يحل المشكلة، بل نستطيع الجزم بأن الحروب لم تحل أي مشكلة في العالم. وإذا كانت مصر قد فرحت من إلغاء حربها مع إسرائيل، فإن تورطها في حروب مع ثماني دول إفريقية شرسة سيضعها في موقف مؤسف ومؤلم جداً!
إنشرها