Author

الإرادة والتحفيز الوظيفي يحركان الجبال في اليابان

|
استمعت باهتمام بالغ لمحاضرة ألقاها ماسارو أوري مؤسس ورئيس شركة أوري لصناعة المعدات الأوتوماتيكية في بداية تسعينيات القرن الماضي ضمن ندوة نظمتها الهيئة اليابانية للإدارة في طوكيو تحت عنوان ''الإبداع والابتكار في الصناعات اليابانية''. بدأ ماسارو محاضرته بإعطاء خلفية عن شركته التي تأسست في عام 1962م برأسمال بلغ عشرة آلاف ريال – حسب الأسعار السائدة حينها – مستنداً إلى تعليم متوسط وموهبة في التصميم الميكانيكي، إضافة إلى نظرة مستقبلية واضحة وإيمان راسخ بأن الإرادة والتحفيز الوظيفي يحركان الجبال حسب تعبيره. كانت الشركة تنتج معدات بسيطة أطلق عليها ماسارو اسم رجل آلي Robots مجازاً، وهي في واقع الأمر لم تكن تستحق ذلك حتى عام 1965م، حين طورت أوري أول رجل آلي يقوم بأعمال طباعة الصحف وبسرعة فاقت 200 مرة العمل الميكانيكي. وعندما أعلنت اليابان دخولها عصر الرجال الآليين Age of Robotics في عام 1981م، كانت شركة أوري جاهزة لتبوّؤ المركز الأول في الإبداع الصناعي وفي المبيعات بحصة سوقية ناهزت 50 في المائة. وقد أبدى ماسارو امتعاضه من احتلال شركته المركز الأول في المبيعات، مفضلاً المركز الثاني أو الثالث حتى لا يخسر موظفيه دافع المنافسة، مُرجعاً نجاح أوري إلى سياسات التحفيز الوظيفي التي تتبعها شركته، ومنها على سبيل المثال: - مشاركة الموظفين في أرباح الشركة. - ملكية الموظفين لجزء من الأسهم. - اتخاذ القرار بمشاركة الموظفين. - الاهتمام بالعلاقات الإنسانية. منذ تأسيس شركته، طبق ماسارو خطة لإشراك موظفيه في الأرباح من خلال صرف مبالغ نقدية أو إصدار سندات داخلية بوعد تحويلها إلى أسهم عند أي زيادة لرأسمال أوري، وعادة ما تقسم أرباح الشركة إلى ثلاثة أجزاء متساوية، الأول احتياطي داخلي والثاني يُوزع على الموظفين، أما الأخير فيصرف أرباحاً للمساهمين. وكلما زادت الشركة رأسمالها، تم تخصيص مزيد من الأسهم للموظفين حتى أصبح ثلثا عددهم يملك 46 في المائة من أسهمها، مما جعل منهم مستثمرين يهمهم ربحية ونمو الشركة وتصاعد قيمة أسهمها على المدى الطويل وعزز من استمراريتهم بالعمل في الشركة. وعلى الرغم من مكانة ماسارو الخاصة لدى الموظفين، إلا أنه يُصر أن تكون القرارات جماعية، مثل قرار نقل مصنع الشركة من طوكيو إلى مدينة إسيهارا الصناعية، 50 كيلومترا شمال غرب العاصمة. فقد لاقى القرار معارضة بعض الموظفين لصعوبة تأقلم أسرهم في البيئة الجديدة، مما حدا بالشركة إلى توفير مساكن حديثة يتم تمليكها للعاملين بمجرد بلوغ أي منهم سن الـ 30، وهو أمر نادر لغلاء المساكن. ويعطي ماسارو العلاقات الإنسانية أهمية خاصة كحافز وظيفي من خلال التواصل الشخصي مع العاملين في أرضية المصنع، وذلك بالوقوف أمام كل واحد منهم ومناداته بالاسم وسؤاله عن أحوال زوجته وأولاده بأسمائهم، إضافة إلى مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم. وفي هذا السياق، لا يتوانى جميع المديرين في أوري عن مناقشة الموظفين في أمور تخصهم مثل إسكان الشركة والتأمين الطبي والقروض الشخصية، وخصوصاً مع الشباب منهم في محاولة لردم فجوة الأجيال وتعويدهم على قيم الشركة. وقد اختتم ماسارو محاضرته بشرح وافٍ عن قيم أوري التي يرى أنها شكلت قوة دفع إضافية لأساليب التحفيز الوظيفي، ولعل أبرزها ما يلي: - كل شيء يبدأ من الأسواق وينتهي بها. - إذا ربح العملاء زادت أرباحنا. - الموظفون السعداء يجلبون العملاء. - مشاركة الموظفين في القرار والأرباح والملكية. حالياً، شركة أوري تنتج أنواعا متعددة من الرجال الآليين في مصنعها الجديد بمعدل 60 رجلا آليا شهرياً للاستهلاك المحلي والتصدير إلى الأسواق العالمية. قصة نجاح ماسارو أوري ليست فردية، فكثير من رواد الصناعة اليابانية أمثال ''تويوتا'' و''هوندا'' و''ماشستا'' بدأوا بحلم حولته الإرادة إلى شركات عالمية، في حين يتفاخر بعض رجال الأعمال لدينا باستيراد (ما هب و دب) من الشرق والغرب وليس بتصنيعها محلياً. في ورشة عمل نظمتها وزارة التجارة والصناعة حول الاستراتيجية الوطنية للصناعة، أكد الوزير عبد الله زينل أن الصناعة أصبحت ضرورة لكي نتقدم إلى الأمام، أو أننا لسنا صناعيين ثقافياً، حيث ما زلنا نعيش الرأسمالية التجارية مقارنة بالرأسمالية الصناعية. وفي رأيي، إن تحولنا إلى الرأسمالية الصناعية يتطلب البدء بترسيخ ثقافة التصنيع لدى أجيالنا الجديدة عبر تكثيف الحملات الإعلامية التي تحث على تقليل الاستيراد ومواءمة مخرجات التعليم لاحتياجات القطاع الصناعي، إضافة إلى إنشاء مراكز إعداد قادة الأعمال الشباب لتزويدهم بمهارات تطوير وإدارة الصناعات المعتمدة على الإبداع، إذا كان لنا أن نرى أمثال ماسارو أوري ورجاله الآليين في بلادنا، ولم لا والإرادة والتحفيز الوظيفي يحركان الجبال؟
إنشرها