Author

أزمة الديون اليونانية والدروس المستفادة خليجياً

|
من المناسب أن تشمل المناقشات الدائرة حالياً في إطار مجلس إدارة المجلس النقدي الخليجي، النظر في موضوع إمكانية الرقابة المشتركة على البنوك وعدم الاكتفاء بتوحيد إجراءات هذه الرقابة. 1- كنت أحضِّر نفسي وأجمع المعلومات والإحصائيات لأعد بحثاً عن إعادة جدولة ديون إحدى الشركات التابعة لحكومة دبي. إلا أن القرارات التي اتخذها قادة دول منطقة اليورو بشأن إنقاذ اليونان جعلتني أعدل عن الفكرة ولو مؤقتاً لقناعتي أن تلك القرارات ذات تأثير أهم في الاقتصاد العالمي، ويمكن الاستفادة منها في النقاشات الدائرة في إطار مجلس التعاون حول المزيد من توحيد السوق بما في ذلك الخطوات الحالية لتوحيد العملة. 2- تقدر الديون اليونانية التي أغلبها سندات حكومية بما يقارب 270 مليار يورو (أو 365 مليار دولار) وهو ما يساوي 114 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. تراكمت هذه الديون لأن اليونان كانت في عجلة من أمرها لاستكمال بناء هياكلها الأساسية واللحاق بالدول الأوروبية الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولأن دخولها في منطقة اليورو أعطاها ميزة سوقية جعلت العائد على سنداتها ومن ثم تكلفة قروضها قريبة جداً من العائد على سندات دول أوروبية ذات ملاءة مالية عالية مثل ألمانيا، فإن البنوك الدولية والأوروبية بشكل خاص كانت مستعدة لإقراضها دون حدود. إلا أن قدرة الحكومة اليونانية على ضبط النفقات وعلى فرض المزيد من الضرائب وتحصيلها لتفي بالتزاماتها تجاه المقرضين كانت ولا تزال أقل من الطموحات مما أدى إلى تراكم الديون وعدم القدرة على السداد. كما أن القيود المفروضة في إطار الالتزام تجاه منطقة اليورو تقيد الحكومة بنسب معينة من المديونية الحكومية ومن العجز في الميزانية. إضافة إلى ذلك لم يكن لدى الحكومة أية وسيلة لاستخدام السياسة النقدية ومن ثم تخفيض سعر صرف العملة الوطنية بحكم وجودها ضمن منطقة اليورو. هذا الوضع جعل إعلان إفلاس حكومة اليونان ومن ثم إعادة جدولة ديونها أمراً قوي الاحتمال. #2# 3- تتمثل محاذير إفلاس الحكومة اليونانية في ثلاثة جوانب: الأول: التأثير السلبي على البنوك الأوروبية. فمن ضمن الديون اليونانية 38.4 مليار يورو للبنوك اليونانية والبقية معظمها تحتفظ به المؤسسات الأوروبية منها نحو 60 في المائة لدى البنوك الأوروبية الرئيسة نصيب البنوك الفرنسية في حدود 25 في المائة أي 54 مليار يورو، والألمانية 15 في المائة أي 30 مليار يورو. وعليه فإن دول مجموعة اليورو تقع بين خيارين غير مريحين، إما إنقاذ الحكومة اليونانية أو إنقاذ بنوكها. وعليه اختارت دول اليورو ما اعتقدت أنه الأسهل وهو دعم الحكومة اليونانية. الثاني التأثير السلبي على الدول الأخرى الغارقة في الديون ضمن مجموعة اليورو وهي إضافة إلى اليونان إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا والتي يبلغ مجموع ديونها 1.2 ترليون يورو. أغلب ديونها وسنداتها تحتفظ به البنوك الأوروبية، منها 225 مليار يورو للبنوك الألمانية و210 مليارات يورو للبنوك الفرنسية. الثالث التأثير السلبي على العملة الأوروبية الموحدة وهي اليورو الذي بدأ سعر صرفه في الانخفاض وبدأت عدة دول أعضاء تتحدث عن إمكانية خروجها من هذه العملة، في الوقت الذي تطرح هذه العملة نفسها بديلا أو رديفا للدولار كاحتياطي دولي. ولا ننسى أن البنك المركزي الأوروبي يحتفظ بكميات هائلة من سندات الدول الأوروبية المثقلة بالديون كرهن من البنوك الأوروبية مقابل حصولها على السيولة. 4- في 11 نيسان (أبريل) 2010 وافق قادة دول منطقة اليورو على توفير مبلغ 30 مليار يورو (أي 41 مليار دولار) تتحمل كل دولة بنسبة مساهمتها في البنك المركزي الأوروبي وذلك على هيئة قروض للحكومة اليونانية لمدة ثلاث سنوات وبسعر فائدة نسبته 4.53 في المائة سنوياً. كما وافقوا على الطلب إلى صندوق النقد الدولي بأن يقرض هو الآخر اليونان ما مجموعه 15 مليار يورو (20 مليار دولار) وبسعر فائدة 2.71 في المائة سنوياً. الغرض من هذين القرضين هو تغطية العجز في ميزانية العام الحالي للحكومة اليونانية وتسديد الديون التي تستحق هذا العام. 5 - إن هذه الخطة تعد جريئة أخذاً في الحسبان أن نظام العملة الأوروبية الموحدة يمنع إنقاذ الدول الداخلة بها من الإفلاس. كما أنها تعد مربحة لدول منطقة اليورو لأن تكلفتها حالياً تبدو أقل مما قد تتحمله هذه الدول في حالة إفلاس اليونان واضطرار تلك الدول لضخ مبالغ أكبر لإنقاذ بنوكها المتورطة في الأزمة اليونانية. كما قد تبدو هذه الخطة وكأنها تأخير لإعادة الجدولة وليست حلاً جذرياً للمشكلة, إلا أن الاقتصاد العالمي قد بدأ للتو استئناف النمو. وعدم وجود حل من هذا النوع قد يدفع الدول الأخرى مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وإيرلندا إلى التوقف عن سداد ديونها مما سيؤثر سلبياً على عملية النمو الهشة أصلاً. إلا أن هناك عددا من الملاحظات التي يمكن إبرازها: أ- أخذاً في الحسبان أن العائد على السندات اليونانية قبل الإعلان كان في حدود 7.26 في المائة فإن اليونان قد حصلت على إعانة نتيجة القروض تساوي الفرق بين سعر الفائدة على القروض والعائد على السندات (أي 7.26 في المائة - 3.79 في المائة = 3.47×45 مليار يورو = 208 ملايين يورو × 3 سنوات = 625 مليون يورو). والسؤال هل هذا الدعم أفضل مما لو قامت اليونان بإعادة الجدولة. في الأسبوع الذي أقر به برنامج الدعم نفسه تخلصت الأرجنتين من الديون التي أعادت جدولتها في عام 2005 بخصم 45 في المائة. ب – ربما لا تستطيع ألمانيا الوفاء بالتزامها تجاه البرنامج لأنه لابد من عرض الموضوع على البرلمان. كما سبق أن هدد عدد من الاقتصاديين بمقاضاة الحكومة الألمانية لأن ذلك يعد خرقاً لاتفاقية دولية. ج – لا يزال البنك المركزي الأوروبي يعامل السندات الحكومية اليونانية معاملة سندات بقية دول منطقة اليورو نفسها بما في ذلك ألمانيا. لذا فإن البنوك الأوروبية تستخدم هذه السندات كرهن عند رغبتها الحصول على سيولة من البنك المركزي. #3# وتقدر مجلة «الإكونومست» اللندنية احتياجات اليونان لهذا العام بـ 75 مليار يورو مما يعني أنه لا يزال هناك عجز في حدود 30 مليار يورو ستقوم الحكومة اليونانية بتغطيته عن طريق إصدار المزيد من السندات مما يزيد من تعرض البنوك الأوروبية لمزيد من القروض اليونانية ويفاقم المشكلة. د- سيــصــر صندوق النقد الدولي على إعطاء قروضه الأولية في التسديد، كما أن من المتوقع أن تطالب دول اليورو هي الأخرى بأن تتمتع قروضها بالأولوية نفسها. كل ذلك لن يشجع البنوك مستقبلاً على شراء السندات اليونانية مما سيزيد من تكلفة التمويل مستقبلاً للحكومة اليونانية. وفي حالة عدم قدرة اليونان على سداد تلك الديون الرسمية فإنها ستتحول إلى قروض ميسرة ومن ثم إعادة جدولتها فتخسر الحكومات الأوروبية مرتين. 6- يمكن أن نلخص بعض الدروس المستفادة من أزمة الديون اليونانية بما يلي: أ- أظهرت هذه الأزمة أن اليورو لا يزال عرضة للأزمات. فلابد من أخذ ذلك في الحسبان عند تنويع الاستثمارات والاحتياطات. ب – زادت هذه الأزمة وما رافقها من الشكوك حول سلامة وملاءة البنوك الأوروبية مما يدعو إلى مزيد من الحذر عند التعامل معها. ج – أضفت الأزمة مزيداً من المصداقية على وجهة النظر العمانية التي كانت تقترح أن يقترن توحيد العملة الخليجية بترتيبات مالية تساعد على انضمام الدول ذات الإمكانيات المالية المتواضعة إلى العملة الموحدة. د – معظم النقاش حالياً في مجال السياسات الاقتصادية منصب حول المعايير المالية التي ينبغي أن تتوافر لدى الدول الأعضاء الراغبة في الانضمام إلى العملة الموحدة من حدود للعجز في الميزان وقيود على اقتراض الدولة، والمعايير النقدية الخاصة بنسبة التضخم وأسعار الفائدة وكفاية الاحتياطيات. إلا أن النقاش لم ينتقل بعد إلى الترتيبات اللازم اتخاذها في حالة تعرض دولة من أعضاء العملة الموحدة لأزمة مشابهة لما مرت به اليونان. ولا ينبغي أن يوقف هذا الموضوع الإجراءات المتخذة للإسراع في طرح العملة الموحدة للتداول. لكن ينبغي التفكير من الآن في وضع ترتيبات مالية يمكن اللجوء إليها في حالة بروز وضع مشابه. ويمكن أن يأخذ ذلك أيا من الأشكال التالية: - اتفاقية مشتركة للاقتراض فيما بين الدول الأعضاء. - إنشاء صندوق مشترك يمكن اللجوء إليه عند الضرورة. - توفير مبلغ معين لدى البنك المركزي المشترك لهذا الغرض. - أية ترتيبات مالية مسبقة أخرى تفي بالمطلوب. هـ - المتوقع أن تلعب العملة الخليجية الموحدة دوراً إقليمياً وربما دولياً في المبادلات وفي القروض وفي إصدار السندات والصكوك بما في ذلك السيادية وكذلك الخاصة بالمؤسسات الرسمية والإقليمية والدولية، إذ لا يستبعد أن يصدر البنك الدولي أو أحد بنوك التنمية الإقليمية أدوات للدين مقومة بالعملة الخليجية. وستحتاج البنوك خصوصاً البنوك الخليجية التي تحتفظ بأدوات دين من هذا النوع إلى رهنها لدى البنك المركزي الخليجي للحصول على السيولة. وحتى يقوم البنك المركزي بإتمام هذه الصفقة لا بد أن يكون مطمئناً إلى وضع البنك المقترض. بمعنى أنه لا بد أن يكون متابعاً لأوضاعه. ولا يتم ذلك إلا إذا كان هذا البنك خاضعاً للرقابة المباشرة من البنك المركزي الخليجي. إن هناك تنسيقا جيدا حالياً بين البنوك المركزية لدول المجلس خصوصاً في موضوع توحيد إجراءات الرقابة على البنوك، لكن هذا لا يكفي لتطمين البنك المركزي الخليجي حول سلامة البنك المقترض، لذا من المناسب أن تشمل المناقشات الدائرة حالياً في إطار مجلس إدارة المجلس النقدي الخليجي النظر في موضوع إمكانية الرقابة المشتركة على البنوك وعدم الاكتفاء بتوحيد إجراءات هذه الرقابة. علماً بأن المادة (14) من اتفاقية الاتحاد النقدي لمجلس التعاون قد قصرت مهمات البنك المركزي المزمع إنشاؤه بـ «وضع قواعد عامة للرقابة الوقائية على المؤسسات المالية».
إنشرها