Author

فلنجعل البحث العلمي رافداً للتنمية العمرانية

|
مما لا شك فيه أن الجامعات في العالم العربي تعدُّ خزانات الفكر والأفكار الأساسية - إن لم تكون الوحيدة - في غياب مراكز البحوث التطبيقية والتطويرية والدراسات الاستراتيجية. ويعول عليها في تقديم حلول تسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للمجتمع، واقتراح معالجات للقضايا والإشكالات التي تواجه قطاعاته المختلفة، وتطوير مبتكرات تراعي احتياجات أفراده من خلال البحث التطبيقي ذي المردود الإيجابي المباشر عليهم، خصوصاً مع تميز كثير من أعضاء هيئة التدريس بقدراتهم ومهاراتهم وتنوع تخصصاتهم. ولكن غالبية البحوث المنتجة في جامعاتنا غير تطبيقية - للأسف -، ولا تصب في خدمة المجتمع وتطويره، بل هي موجهة لأغراض الترقية العلمية لأعضاء هيئة التدريس، وهو ما دفع بكثير منها إلى المنحى النظري أو العلمي البحت، خصوصاً مع فقد المناخ البحثي المؤسسي، ونقص المحفزات والمزايا اللازمة للبحث التطبيقي. إن محدودية مصادر التمويل، وندرتها، والصعوبة النسبية في إجراءات الحصول عليها، وعدم كفايتها؛ جعلت الخوض في الدراسات البحثية ذات الصبغة التطبيقية (بخصائصها المؤسسية) صعبة على أعضاء هيئة التدريس، فلجؤوا إلى البحوث الفردية (حتى وإن لم تعُد بأي فائدة مباشرة على المجتمع)؛ لأنها تقع ضمن حدود إمكانيات الباحث الذاتية المحدودة، وتضمن له الحصول على الترقية. ومع اندفاع جامعاتنا السعودية بقوة خلف تحصيل المراكز المتقدمة في التصنيفات العالمية، وما يتطلبه ذلك من النشر في مجلات عالمية محددة؛ سينصرف عضو هيئة التدريس ويبعد - بشكل أكبر - عن المواضيع والقضايا المحلية التي تهم المجتمع؛ لأن أغلبية تلك المجلات لا تحفل بالقضايا المحلية، ولا تقبل نشر أبحاث عنها. وهو ما سيدفع بالأبحاث إلى التركيز على مواضيع تبعد كثيراً عن واقع المجتمع واحتياجاته الحقيقية، وستتسع نتيجة لذلك الفجوة بين الجامعات وبين مجتمعاتها المحلية وقضاياها الملحة. فلو نظرنا على سبيل المثال في موضوع توفير المساكن الميسرة والملائمة لمتطلبات المجتمع السعودي الاجتماعية والاقتصادية؛ فإن دور الجامعات السعودية في تقديم المقترحات والمعالجات المناسبة له من خلال البحث العلمي التطبيقي معدومة أو غير موجود تقريباً، وقسْ عليه بقية القضايا المتعلقة بدعم التنمية العمرانية في المملكة العربية السعوديةً. ونتيجة لهذا التوجه ظهرت فجوة بين المتخصصين من الباحثين الأكاديميين وبقية المتخصصين في مجال العمران (من: مكاتب استشارية، ومهندسين ممارسين، ومطورين، ومقاولين)، وهو ما أفقدهم إمكانية التواصل بإيجابية مع القطاع الأكاديمي والاستفادة منه؛ لأن الجامعات أهملت استقطاب الأبحاث التطبيقية التي تدعم مسيرة التنمية العمرانية التي تعيشها المملكة بطريقة مؤسسية ممنهجة، كما عجزت نتائج أغلبية الأبحاث الفردية المنتجة من قبل أعضاء هيئة التدريس في تقديم حلول ومعالجات ملائمة للمشكلات العمرانية التي تواجه المجتمع بفئاته وقطاعاته جميعها (من: مؤسسات حكومية، ومكاتب استشارية، ومطورين، ومقاولين، وصنَّاع البناء). إن خدمة المجتمع من خلال طرح حلول مباشرة للمشكلات والقضايا العمرانية المعاصرة، ونشر الوعي العمراني المستخلَص من التجارب والأبحاث العلمية التطبيقية، وتوجيه مسيرة البحث العلمي التطبيقي لدعم التنمية العمرانية في المملكة يجب أن يكون على قائمة اهتمام الجامعات السعودية، وأن تعمل جاهدة على فتح قنوات التواصل مع الجهات المعنية بالتنمية العمرانية وقطاع صناعة البناء؛ لتحديد قائمة المواضيع البحثية العمرانية الملحَّة، وتأمين الدعم اللازم والكافي لإجرائها. كما أقدِّم في الختام دعوة إلى إخواني الباحثين (من: طلاب الدراسات العليا، وأعضاء هيئة التدريس) في الجامعات السعودية لاستنهاض الهمم من أجل توظيف البحث العلمي في خدمة النهضة العمرانية التي تشهدها المملكة ودعمها، والنظر في القضايا أو المشكلات العمرانية التي تواجه المجتمع وتحويلها إلى مواضيع بحثية تطبيقية، تنعكس نتائجها بشكل مباشر وإيجابي على جوانب حياة المجتمع ورفاهه.
إنشرها