Author

هل «ليو ميسِّي» إنسان؟

|
* أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 347. *** * حافزُ الجمعة: نحن بحاجةٍ في مجتمعنا التعليمي إلى الاحترام البالغ بين التلميذ وأستاذه، في المسارين المتقابلين. كان «ابن رشد» العبقري»يذهل» أمام «ابن طفيل» إجلالاً وتقديراً وحباً، وكتب «ابن طفيل» أنه يُجلّ العقلَ الإنساني لأنه يمثـّل ابن رشد.. تلميذه. وكان «فرديناند تشيلر» فيلسوفي الأثير، صاحبُ المدرسة الإنسانية التي تحترم الإنسان كقيمةٍ بكل اعتقاداته الدينية والغيبية والعلمية والعاطفية، وأن الإنسانَ المقدمة الكاملة التي يجب أن تبدأ منها الفلسفة، قد كتب وصفا عاطفيا أخاذاً لِما حصل له لمّا قابل لأول مرةٍ أستاذه الأمريكي الفيلسوف النفساني والبراجماتي «وليم جيميس» قائلاً: «سنواتٌ وأنا أذهب لِـ «هارفرد» لمقابلة أستاذي المبجّل، ولما قابلته لأول مرة جمدْتُ، كمن صعقته الكهرباء.» أظنّ أن هذه هي الخامة المفقودة، هي المذاق الناقص في طبختنا التعليمية. *** * قضية الأسبوع: هل شوارعُنا آمنة؟ ونقصد الشوارعَ داخل المدن الكبرى لا خارجها، وفي النهار الباهر، وليس في الليل الساجي. دار في الإنترنت فيلمٌ مرعبٌ، يُقال صوَّرْتـَه بالهاتفِ فتياتٌ في حافلةٍ ملاحَقـَة، وأن الملاحقين يريدون قرصنة الحافلة وخطف من بها. لا يُعقل؟! هل الفيلم غير حقيقي؟! هل هو مشهد من فيلم بوليسي يُخْرَجُ في استوديوهات العاصمة؟ أم حقيقة؟ لا ينفع أن نعتبر أن الأمرَ بسيط، أو مبالغ به.. فالأحداثُ الإنسانية الطارئة، إن كانت صغيرة كبُرت، وإن كانت ضيقة انتشرتْ، لذا يجب التصدي للصغير قبل الكبير. نجح الفيلمُ الذي اشتعل كزوبعةٍ استوائية في الإنترنت في جعل الناس يضعون أياديهم على قلوبهم هلـَعا.. ولن يرفعها عن موقع القلب، إلا ما يقنعهم تمام الاقتناع. *** * وسؤالٌ من طالب الهندسة المعمارية «محمد خلف»: «أعطيتُ بحثاً عن مسجد»أيا صوفيا»، من ضمن بحثٍ عن الهندسة القوطية، فلا أجد معلومة أفهمها عن البناءِ القوطي، ولا ما يشير إلى المسجد، فهل تفيدني؟». أبشر يا باشمهندس محمد؛ إن «المعمارَ القوطي» وهذا أدقّ من «البناء القوطي» أول ما ظهر في شمال فرنسا. وهو، على فكرة، مشتق من الفنّ الروماني في البناء (الرومانيسك)، ويخلطه البعضُ مع القبائل القوطية التي غزت معظم ممالك أوروبا في القرن الحادي عشر، وهذا ليس صحيحاً. وأشهر أمثلة للهندسة القوطية هو كنيسة «نوتردام» في فرنسا، وكاتدرائية «ميلان» في إيطاليا، وكاتدرائية «كولون» في ألمانيا، ولن تجد في «الإنترنت» ولا في أي مصدرٍ ما يخص البناءَ القوطي في مسجد «أيا صوفيا»، لأنه لم يُبن على طريقة المعمار القوطي، وإنما بنمط «المعمار البيزنطي».. وراجع أستاذَك في هذا. *** * وسؤالٌ من «هيا الرجيب»، من الكويت: «وجدت أنكَ أفردتَ مقالا عن «ابن حزم»، وفي كلمتك بالكويت أطنبتَ عنده، فما سر ارتباطك بهذا الفقيه بالذات؟». لابن حزمٍ موقعٌ خاصٌ في رؤيتي الذهنية، يجعلني أصنفه كما يقول الأجانب «تايم لِس»، أي أن فكرَهُ باق ومناسب لكل العصور. فهو من أعظم فلاسفة الشرق والغرب في عصره، وإمامٌ متقدم في علم الكلام والفقه، ويمكنني أن أقول إنه مؤرخٌ من طرازٍ نادر. انظري يا هيا مثلا إلى مصنّفِه الجامع «الفصلُ في الملل والأهواء والنـِّحَل»، إنه توطئة دقيقة لظهور علم الأديان المقارن، الذي يُدرَّس في الجامعات العصرية. ثم إنه وطنيٌ عظيمٌ ومسلمٌ غيور، وعاش قلاقلَ انحلال الخلافةِ الأندلسية وظهور عصر الطوائف، فهاجم كل ملوكِهم وانتقدهم، لم يراء ولم يتقرّب، وعرّض نفسَه للخطر بانتقادهم في ظلم الرعية وسلب أموالهم وبعدهم عن الدين، بينما فقهاء عصره كانوا عونا للطغيان، يضعون خدماتهم الدينية والفقهية لتأييد وتبرير الظلم والجور. *** * من تعتقد أنه أفضل لاعب قدم على الكوكب؟ لا أظنّ أن في العالم من يختلف حول الأرجنتيني «ليو ميسي»، لاعب برشلونة الأيقونة. ما سرّ «ميسي»؟ برأيي أنه ثلاثة عناصر: الموهبة الخارقة، الحب الحقيقي، الرعاية الحقيقية. موهبة «ميسى» بانعطافاته الغرائبية المفاجئة، ومروره السهل الممتنع كمن يعتمر طاقية إخفاءٍ من بين خط دفاع كامل، وتلوّيه المذهل وليونة ظهره الخيالية، تجعله يمر عبر جدار الدفاع كما تمرّ عاصفةٌ لولبيةٌ من أدقِّ شقوقه، وحساسية فائقة للكرة والهدف. ومحبته الغامرة لموهبته ولعبته منذ طفولته، فهو ليس مثل «مارادونا» وغيره من بُحّاث الشهرةِ وبريق وصخب الحياة خارج المستطيل، ومتواضعُ الروح باسمُ الوجه. ورعاه الفريقُ الكاتالوني العظيم وهو ما زال في الثالثة عشرة من عمره.. وبما أنه إنسان، فإذن هناك أركانٌ لتكوين اللاعب المثالي.. العناصرُ الثلاثة. *** * هل الحقدُ والانتقامُ بلا حدود؟ وإلاّ كيف تصف إذن ما صار للمسكين «أوليفر كرومويل» واحد من أشهر ثوار بريطانيا قبل منتصف القرن السابع عشر الذي تسبب في مقتل ملك بريطانيا شارل الأول في عام 1649م؟ عندما تولى ابن الملك القتيل «شارل الثاني» الحكمَ، أمر بإخراج جثة «كرومويل» من قبره في عام 1661م، وأمرَ بشنقه.. شنَقَ الجثة! ولم يكتفِ، بل أمر بإبقائها معلقة لمدةٍ أسبوع كامل! *** * وسوزان عبد العظيم مصرية من جدة تسألني تعريفا للمتفائل: وأقول إن المتفائلَ يا سوزان هو الذي لم يقرأ أو يسمع أو ير أخبارَ اليوم! في أمان الله..
إنشرها