Author

خطأ لا يُنسى وتاريخ لا يُمحى!

|
أصبح الفضاء الافتراضي ''الإنترنت'' يعج بالكتب والبحوث والمحاضرات والأخبار والصور ومقاطع الفيديو، المفيد منها والسقيم، المشرِّف منها والفاضح. ومن الأمور الجديدة، أن كثيراً من الناس والجهات (حكومية وخاصة) تعودوا على البحث في الجوجل Google أو الفيس بوك Facebook لمعرفة معلومات عن أي شخص يرغبون في توظيفه أو مقابلته أو التعامل معه، بل أصبح من المألوف البحث عن أي شخص في محركات البحث المعروفة قبل مقابلته، من أجل التعرف عليه، وتحديد الأسلوب الأمثل للتعامل معه. لقد أصبحت الإنترنت مصدراً للمعلومات سواء من خلال المواقع الشخصية أو الصحف الإلكترونية أو المنتديات أو المواقع الرسمية. ومن هنا ازداد الاعتقاد بأن أهمية الأشخاص تتحدد بما يتوافر عنهم من معلومات في محركات البحث. ومع هذه التطورات، أصبحت مسؤولية الكلمة وخطورتها كبيرة جدّاً، لأنها مسجلة ومحسوبة ومنتشرة أكثر مما قبل، سواء كانت في خطبة رجل دين، أو في محاضرة عامة، أو حتى في حفلة خاصة، أو جلسة مع الأصدقاء في مقهى أو مكان عام. لقد كانت الفضائح والأخبار السيئة تُنشر على صفحات الصحف الورقية التي لا تلبث أن تُنسى بين ركامات الأوراق البالية. ولكن الوضع في الوقت الحاضر قد تغير كلياً، فأصبح من المؤكد أن ما يُنشر عنا – خيراً أم شراً – سيُسجل لنا (أو علينا) في محركات البحث على شبكة الإنترنت إلى الأبد، وسيرتبط بنا، ويصبح جزءاً من تاريخنا الشخصي شئنا أم أبينا! لذلك حذر الرئيس الأمريكي أوباما الشباب بعدم التساهل فيما يُنشر عنهم على شبكة الإنترنت أثناء مرحلة المراهقة والشباب، لأنه سيطاردهم في مقبل أيامهم ويحول دون وصولهم مواقع مهمة أو وظائف مرموقة. يتساهل البعض في رفع صور أو مقاطع أو طرائف عنهم في الفضاء الافتراضي أثناء طيش الشباب، ولا يعلمون أن ما يُسجل عنهم سيطاردهم طوال حياتهم إلى الأبد، لأن ما يسجل في محركات البحث ومواقع الإنترنت سيكون بمثابة تاريخهم الشخصي الذي قد يعزز سمعتهم أو يقلل من شأنهم، بل ربما يحول دون تمكينهم أو الثقة فيهم للقيام بمهام معينة أو ممارسة أعمال محددة أو دخول ''القفص الذهبي''، ناهيك عما يمكن أن ينتج عنه من هدم لعش الزوجية وتحطيم للحياة الأسرية وتدمير للإنسان. لذلك لا بد من غرس قيم الفضيلة في نفوس أبنائنا وتوعيتهم بخطورة هذه الوسيلة، لضرورة مراعاة خصوصيات الناس واحترام حياتهم، فهذه الوسيلة سلاح ذو حدين. تتيح لنا التواصل مع الأشخاص والجهات، وتوفر لنا المعرفة بجميع أنواعها ومجالاتها، ولكنها قد تقضي على بعض الأشخاص وتدمر حياتهم الزوجية أو تشجعهم على العنف وارتكاب الجريمة. ومن هذا المنطلق، يجب الوعي بأن ما يسجل عن الأشخاص في الفضاء الافتراضي ''الإنترنت'' سيكون تاريخاً شخصياً لا يُمحى، إن كان خيراًً، أو ''خطأ لا يُنسى'' إن كان شراً. وبناء عليه، ينبغي عدم التساهل في رفع صور مخلة أو فكاهة مذلة تخص الأشخاص أنفسهم أو تتعلق بغيرهم من الناس. فالإضرار بالآخرين والنيل منهم على هذا الفضاء الافتراضي الرحب جريمة يأثم عليها الإنسان ويعاقب عليها القانون. ولا يقل عن ذلك أهمية، ضرورة تأكيد منافع الإنترنت وتوضيح مخاطرها للناشئة. أقول ذلك لأن الغالبية الساحقة من الشباب لا يستخدمون الإنترنت سوى للتسلية واللهو، متناسين فوائدها العلمية والثقافية والاجتماعية، بل حتى الاقتصادية، ما يتطلب دوراً فاعلاً للمدرسة والأسرة على حد سواء.
إنشرها