Author

أزمة الحديد .. وما حولها!

|
أوضحت الأيام القليلة الماضية أن أزمة ارتفاع أسعار الحديد في السوق المحلي لم تكن بسبب ارتفاع في أسعار خامات الحديد المستوردة من الخارج فقط، بل هناك عدة عوامل محلية أخرى أسهمت في ارتفاع أسعاره كان من بينها - للأسف الشديد - طمع وجشع بعض التجار. ولا شك أن التجار الذين دفعتهم أطماعهم إلى إخفاء كميات من الحديد وتخزينه في المستودعات القصية أفسحوا المجال أمام قيام سوق سوداء تلعب فيها بؤر العمالة الأجنبية الماكرة دوراً في شكل سماسرة ووسطاء وعمولات ترفع أسعار هذه السلعة الأساسية التي يترتب عليها التأثير سلباً على معدلات تنفيذ برامج التنمية الوطنية، الأبشع من ذلك أن البعض الآخر من التجار تقرصنوا مع هذه الفئة وخفضوا المعروض من الحديد وأخفوا كميات كبيرة منه في المستودعات النائية حتى ينشئوا سوقاً احتكارية تتحكم في الأسعار. والأغرب من ذلك أن بعض التقارير كشفت أن أزمة أسعار الحديد تضمنت أن بعض المقاولين انسحبوا من سوق المقاولات إلى سوق بيع الحديد وركبوا الموجة سعياً وراء الربح المغري السريع. وهكذا أصبحت أزمة الحديد أزمة حقيقية ذات أبعاد محلية وخارجية. وإذا كنا نشيد بالأداء الذي قامت به وزارة التجارة والصناعة للسيطرة على سوق الحديد، ونعترف بأن الوزارة نجحت حتى الآن في السيطرة على الموقف واتخذت مجموعة من الإجراءات الموفقة للحيلولة دون انفلات أسعار الحديد، فإن الخوف مازال قائماً من سريان العدوى إلى مواد البناء الأخرى كالأسمنت الذي بدأت بعض المحاولات ترفع أسعاره لكن يقظة الوزارة في سوق الحديد أوقفت حتى الآن موجة الزيادة في أسعار الأسمنت وفي غيره من مواد البناء الأخرى. أقول رغم أن وزارة التجارة والصناعة استطاعت أن تؤثر مؤقتاً في أسعار الحديد .. إلاّ أن سوق مواد البناء بعامة مرشحة لزيادات في الأسعار بعد أن تصدر الدولة في الأيام القليلة المقبلة نظام الرهن العقاري الجديد. إن نظام الرهن العقاري الذي سيصدر خلال الأيام القليلة المقبلة وفقاً للتصريح الذي أدلى به الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية سيساعد على زيادة الطلب على مواد البناء بشكل ملحوظ، لأن المراقبين يقدرون أن نحو 50 شركة تمويل عقاري ستدخل السوق العقارية مع بداية تطبيق النظام، ثم يرتفع عدد شركات التمويل العقاري حتى يصل إلى نحو 80 شركة، وكل هذه الشركات توفر حجماً كبيراً من السيولة الجاهزة لزيادة الطلب على مواد البناء. وإذا كان في سوق الحديد تجار جشعون وسماسرة مدسوسون، فإن في أسواق الأسمنت والجبس والخشب والدهان وأدوات الكهرباء والسباكة والسيراميك والألمنيوم والرخام والمسامير والمفصلات.. حتى الخرسانة تجارا جشعين وسماسرة لاعبين. إن مشاريع الإسكان ومشاريع الطرق والكباري ومشاريع الدولة بعامة ومشاريع البناء للقطاع الخاص في السنوات القليلة المقبلة لا حدود لها، وستحتاج هذه المشاريع التي تحتل الحيز الرئيس في برامج ومشاريع التنمية كميات هائلة من الحديد ومواد البناء، ولذلك فإن الطلب على هذه المواد سيقفز إلى مستويات غير مسبوقة. ولذلك فإن من المتوقع أن يشهد سوق مواد البناء في المستقبل القريب ارتفاعات مقلقة في الأسعار، وهنا يتضاعف دور وزارة التجارة والصناعة لمراقبة أسعار مجموعة كبيرة من السلع وليس الحديد فقط. ولكن - مع ذلك - نستطيع القول إن إمكانات وزارة التجارة لن تمكنها من السيطرة على أسعار عدد كبير من السلع في سوق يأخذ بنظام السوق ويطبق مبادئ الحرية الاقتصادية في كل الأسواق، ونتمنى أن يلعب القطاع الخاص والمواطن - مع الوزارة - دوراً مؤثراً في كبح الزيادة غير المنطقية في الأسعار. ويجب أن يكون واضحاً أنه لا يوجد في السعودية سوى عدد محدود من مصانع الحديد تقف في مقدمتها ''سابك'' وتنتج نصيب الأسد، ويصل جملة إنتاج هذه المصانع من الحديد ما لا يتجاوز 7.2 مليون طن سنوياً، علماً بأن حجم الاستهلاك سيصل خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى 36 مليون طن سنوياً، أي بزيادة تبلغ نحو 50 في المائة مما يعنى ضرورة أن تقوم وزارة التجارة بدعم واسع لتعظيم صناعة الحديد في المملكة حتى يلبي الإنتاج الجانب الأكبر من الطلب، أمّا أن تكتفي وزارة التجارة بوظيفة الرقابة اللاهثة، فإن محاولاتها - على المدى الطويل - لن تجدي في ضبط الأسعار ولن تكون فاعلة بأي حال من الأحوال. إن ارتفاع أسعار الحديد وأسعار غيره من مواد البناء في الأسواق العالمية تتحرك باتجاه وضع هياكل جديدة للأسعار، وذلك في إطار محاولات الخروج من الأزمة المالية العالمية، وشأن الحديد شأن كثير من السلع والخدمات الأخرى التي تسعى إلى وضع هياكل جديدة للأسعار تتناغم مع المستجدات التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية. بمعنى أن الأسعار في كل الأسواق العالمية مرشحة للزيادة بسبب عوامل محلية وخارجية، ولذلك لا نتوقع أن تنجح وزارة التجارة في السيطرة على أسعار الحديد إلى ما لا نهاية، بل لا نتوقع أن تنجح وزارة التجارة في كبح جماح الزيادة المنتظرة في أسعار كل مواد البناء. ولكن لنا أمل كبير أن تنجح الوزارة في إحداث نوع من التوازن في المستوى العام للأسعار. وإذا تحقق هذا النجاح، فإننا نشد على يد الأستاذ عبد الله زينل ونتمنى أن تمر أزمة الحديد، وكذلك أزمة مواد البناء بسلام!
إنشرها