Author

التحدي الحقيقي للقياس المحاسبي

|
لعل تعدد نماذج قياس التغير في صافي أصول الوحدة المحاسبية (الدخل) وتبريرات كل أنموذج، سواء أكاديمياً أو مهنياً مرجعه بالدرجة الأساس إلى عدم تحديد البيانات، ومن ثم المعلومات المراد إنتاجها لمتخذي القرار، ومن هنا فإن عدم الاستقرار على نماذج اتخاذ القرارات والمستفيدين منها سواء موحدين أو مختلفين هو علة محدودية قياس الدخل، ولا شك أن هناك حاجات متعددة لجهات متعددة لمخرجات القياس، ويطلب من المحاسبة تلبية كل تلك الاحتياجات وفي وقت زمني ملائم وبموضوعية وواقعية وعدل، وقد نجد أنه يصعب على منتجات المحاسبة لقياس الدخل تحقيق كل تلك المتطلبات، وهنا التحدي الحقيقي. فعلى سبيل المثال يعتبر قياس الدخل متطلباً أساسياً لاحتساب الوعاء الضريبي وتوزيع الثروات في المجتمع، ولذا تسن الحكومات الأنظمة والقوانين التي تحدد حسب مفهومها وحاجة المجتمع لأساليب قياس الدخل المقبولة أو التعديلات التي يلزم إجراؤها على قياس التغيرات حسب أي نموذج يتم اختياره. ويستخدم قياس التغير كأساس لتوزيع الأرباح على الملاك، حيث تحدد نتائج القياس الحد الأقصى الذي يمكن توزيعه خلال فترة زمنية على الملاك يبرز وجه آخر للقياس، والخاص بضرورة المحافظة على رأس المال، سواء عيناً أو مالاً قيمة كلاسيكية أو حديثة. كما أن قياس الدخل أساساً لاتخاذ القرارات الاستثمارية للمستثمرين الحاليين أو المرتقبين وكذلك المفترضين الحالتين والمرتقبين. وهنا تبرز فكرة العائد على الاستثمار وعلاقته بالخطر، إضافة إلى أن قياس التغيرات في الماضي قد يكون أساساً للتنبؤ بالتغيرات المستقبلية وسواء أكان قياس التغيرات في الماضي معتمداً على أسس قيم ماضية أم قيم حالية، ويعتمد قياس التوقع المستقبلي على تفاصيل التغيرات ومدى استمراريتها في المستقبل. وأخيراً فإن قياس التغيرات يعد أساساً لمعرفة كفاءة الإدارة في استخدام الموارد المتاحة ؛ ويشار هنا إلى تحديد أهداف الإدارة ما بين تعظيم العائد للملاك و تعظيم دالة الوحدة. لقد لاقت نماذج قياس التغير أو (الدخل) اهتماماً عالمياً كبيراً، وذلك لكون جل نتائج الأبحاث الميدانية تربط بين أسعار الأوراق المالية للشركات في الأسواق المالية العالمية والتغيرات في الدخل، وبما أن إدارة الشركات تتبنى علمياً وعملياً إدارتها لأرباحها، أو ما يعرف بـ (Management Earning) فإن لها دوراً مهماً في محاولة استغلال معايير المحاسبة لتحقيق أهدافها من خلال إما تلميع الدخل أو من خلال التلاعب بالدخل، والأول مثبت ولا جدال حوله، وهي في جل الحالات تطبيق لخيارات معايير المحاسبة، ويستخدم عادة لأغراض إدارة الأرباح، ومنع التذبذبات غير الطبيعية للدخل مما يعكس بتذبذبات في أسعار الأوراق المالية، ومن ثم فقدان ملاكها ثقتهم بإدارة الشركة؛ أما الثاني فهو التلاعب بعناصر الدخل من خلال استخدام مبدأ الاستحقاق من تأجيل للمصروفات والاعتراف بالإيرادات بأسرع مما يجب وهذا ما حدث في بداية هذا القرن، ولقد تنبهت السلطات الرقابية لمثل هذه المسائل، واكتشفت أن جميع الوسائل الرقابية التي اخترعها الإنسان لم تستطع أن تحمي المجتمع من الأشرار، فشرعت بالتدخل المباشر لحماية مجتمعاتها، ولا شك أن مثل تلك المعالجات ومنها قياس الدخل كان مصب اهتمام أكاديميي المحاسبة والاقتصاد والاستثمار خلال السنوات الماضية واهتمام معايير المحاسبة حول العالم، وزادت الأزمة المالية من تسليط الضوء على الإجراءات المحاسبية لقياس الدخل من جوانب متعددة كما استجلبت خيارات أخرى لقياس تغيرات صافي الأصول، ولذا فإن تحديد وقياس الإيراد وتغطيته لمصروفاته يمثل التحدي الرئيسي للقياس المحاسبي خلال العقد الحالي والعقود القادمة، نأمل أن نشارك العالم في التصدي لمثل هذا التحدي والله أعلم.
إنشرها