لماذا قاد الرجل الأبيض العمل الخيري!

دعونا لا نتحدث عن حقيقة تفوق الغرب في مجالات كثيرة في القطاع الخيري، فحجم هذا القطاع هناك وتنوع خدماته وانتشاره في قارات العالم كلها شواهد لا يمكن إنكارها لإقرار هذا التفوق، والأجدى أن نناقش عوضاً عن ذلك سبب هذا التفوق وسر النمو والازدهار. هل للنظم السياسية أثر في ذلك؟ هل زرعت الديمقراطية مع سلبياتها الكثيرة في الأفراد هناك الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، ومنحتهم الفرصة للمشاركة في حل المشكلات التي من حولهم، وفتحت لهم المجال للعمل في صورة منظمات خيرية، تنوعت مجالاتها فبلغت أنواعاً من الحيتان في أعماق المحيطات وأشجاراً نادرة في شواهق الجبال؟ أم أن العقيدة النصرانية التي ينتمي إليها أغلب مجتمعات الغرب فيها من قوة الحوافز، وعمق البواعث، ما حرك الرجال والنساء، وجعلهم يفكرون في شؤون الآخر، ويتحسسون حاجاتهم ليسدُّوها من خلال تجمعات منظمة تجاوزت دوائر اهتمامها فقراء البيض إلى فقراء الملونين في أنحاء العالم؟ أم هي عقلية الرجل الأبيض ونمط حياته التي مكنته من التعبير عن رغباته الخيرية بصورة منظمة وجعلته يستثمر الموارد الملموسة كالمال والبشر، وغير الملموسة كالقيم والمبادئ بشكل أكثر كفاءة ليقدم للبشر نموذجاً متقدماً في العمل الخيري، كما قدم للعالم أجمع مخترعات ومنتجات طالما أدهشتنا نحن العربان؟ أم أن قراءتنا السطحية لواقع العمل الخيري الغربي وطبيعته لم تمكننا من سبر أعماق تلك الظاهرة ورؤية الدوافع الكامنة خلفها؟ فوفقاً لهذا التفسير، فإن العمل الخيري الغربي ما هو إلا قناع لأجهزة استخبارات تنفذ أجندات حكوماتها، أو هي غطاء لأطماع الكنيسة بتعزيز هيمنتها داخل الغرب وخارجه، أو هي أيضاً قناع لمادية الرجل الأبيض الذي يتمحور حول مصلحته الفردية، ويجد في الأعمال الخيرية وسيلة لتحقيق أهداف شخصية. موضوعياً؛ لا يوجد في مبادئ الأنظمة السياسية غير الديمقراطية عائق حقيقي لوجود عمل خيري نشط، وليس في النصرانية المشوهة تفوق على الإسلام بما يحمله من صفاء المنابع، وصحة المصادر، وكثرة الحوافز لفعل الخير، كما أنه ليس كل من قدم للبشرية مخترعات وابتكارات قدم في الوقت ذاته نموذجاً مميزاً في العمل الخيري كما قدم الغرب، وإن سلمنا بتقنع بعض الجهات الحكومية والكنائس الغربية خلف المنظمات الخيرية؛ فإن العدل يدعونا لإنصاف السواد الأغلب من المنظمات الغربية التي تعمل وفق أهداف خيرية. كانت هذه محاولة للإجابة عن السؤال الكبير: لماذا قاد الرجل الأبيض العمل الخيري؟ لكنها محاولة فاشلة، أبقت السؤال بلا إجابة مقنعة!