Author

وداعا يا عم .. عبد الرحمن الجميح

|
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي. أرثيك ياعم إلى نفسي..والى أسرتي الصغيرة... التي ما فتئت تسأل عنها وعن أحوالها صباح مساء، بوجهك المضيء الممتلئ إيمانا والذي تنضح منه سيماء الصالحين، كنت دوما تسألني .. كيف هي الأحوال؟ هل ينقصكم شيء؟ لم لا تغير اسم ابنتك.. لأن اسمها اسم رجال؟. أرثيك ياعم وأنت هال علينا مستأذنا قبل دخولك مكتبنا..الذي هو في واقع الأمر مكتبك، ولكنها أخلاقك وسمو نفسك وإعلاؤك قيم ديننا الحنيف متناسيا كل الشكليات التي لم تضف إلى المتمسكين بها والمتمسحين بجنباتها لمحة صغيرة من هذا القبس المضيء الذي هو أنت. إن قلبي يعتصره ألم جارف، ليس لأني فقدت رب العمل الذي أقتات منه، ولكن لأني فقدت وفقد كل من أسعده الحظ بالتعامل معك ، ناهيك عن القريبين منك، معاني الخير والنبل والعطاء الإنساني الذي لا تحده حدود، وفقدنا ضمن ما فقدنا قدرا كبيرا مما تعارف عليه بنو الإنسان من فضائل..أبكي فيك الخيرية التي بشرنا بها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم «بأن الخير في وفي أمتي إلى قيام الساعة». أنت رجل بسيط بكل ما في الكلمة من معنى... لم تتح لك الفرصة لدخول الجامعة أو الحصول على شهادات ، ولكنك رغم ذلك تحمل شهادة أهم ألف مرة من كل شهادات العالم ، ألا وهي الصدق مع النفس ومع الغير والسماحة التي قل نظيرها في عالمنا المليء بالخسة والضعة والغدر ، لقد عاصرتك حينما تنكر لك الآخرون ووجهت لك طعان وسهام ،فلم يغير هذا من طبعك وطبيعتك شيئا ،كل ما آلمك في ذلك ، هو رثاؤك وألمك الكبير لضياع قيم ومبادئ ومثل كانت سجيتك تأبى أن تتقبل أن يتنكر لها الآخرون، لقد تمثلت قمة انزعاجك وذروة غضبك في عتاب رقيق لأحد الذين اجترأو على حلمك واستهانوا بطيبة قلبك معاتبا له.. لماذا يا دكتور تأتي بما أتيت؟ لقد كنا ننتظر منك أن تنصحنا وأن ترشدنا إلى الصواب لا أن يكون مخالفة ذلك قد جاءت على يديك!، هذه كانت قمة غضبك فليرنا الحلماء قمة حلمهم!. أنت ياعم منارة حق وحصن خلق متين، محب للحياة ومقبل عليها في غير تكلف أو تزيد، مازح ولا تقول إلا صدقا، بار بالقريب والبعيد، محب للخير وحاض عليه.. إن من عنى إلينا وجب حقه علينا.. هذه إحدى مقولاتك التي كنت تعنيها قولا وفعلا... أن نهتم بكل صاحب حاجة وأن نتابع معاملته حتى يتم إنفاذها.كانت فراستك وبعد نظرك وخبرات السنين الطويلة هي بعض مما حاولنا أن نتعلمه منك، قلت معلقا على نظام البيع بالتأجير المنتهي بالتملك «جراد في سلم» وقلت عن ضياع المسؤولية وغياب المراقبة «غنم بغير راع»، وقلت ملخصا لبعض المشاكل التي وقعت في محيط العمل «إذا صلحت النية صلح كل شيء» نعم كنت بهذه البساطة وهذا العمق وبعد النظر ترى الأمور على حقيقتها، لقد أثبتت الأيام صحة مقولاتك وبعد نظرك. أنت يا عم الآن، إن شاء الله، في دار خير من دارك ومع أهل خير من أهلك وقد أحضرت إلى جلائل صنعك وعظيم أجرك فنحن لا نبتئس على ما أنت فيه من مقام بل نحن راضون بما أنت عليه ، ولا نزكيك على الله ،بل الله يزكي من يشاء.
إنشرها