Author

الحوار مع طهران ..على أي قاعدة!!

|
سئل قائد عسكري عراقي سابق شارك في حرب الثمانينيات الإيرانية - العراقية، والآن يعد شريكا في العملية السياسية العراقية، كيف يمكن التعامل مع إيران؟ كانت الإجابة: كل التفاهمات المكتوبة وكل القوانين المعروفة لا تحفل بها إيران كون إيران تخضع لعملية غسيل مخ أسبوعية، تستحضر التاريخ والمآسي والآثام والخطايا لتجلد نفسها حتى يسيل الدم، عندما لا تكون هناك أهمية لما هو مكتوب، فمن يمسك طريقة غسل الدماغ هو من يرفض أن تكون إيران متصالحة مع ذاتها ومع المستقبل ومع جوارها فهي مستلبة الروح يعيدها للماضي كي تبقى لاعقلانية، فطهران ليست كما فعلت تركيا، لهذا فهي قلقة دائما، ودائما أفعالها جالبة للتوتر، ودائما يحركها الماضي الدامي وليس الحاضر أو المستقبل. ضمن هذه الرؤية تقيم مبادرة أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى التي عدها البعض مبادرة عملية، ونوعاً من الاشتباك مع الآخر، بعيدا كل البعد عن الإرهاصات والمخاوف والإسقاطات، إلا أن المبادرة ولدت عرجاء كونه تجاوزت واقع العلاقات السياسية الناشئة بفعل السياسة الإيرانية ذاتها بفعل منطلقاتها، بفعل نمطها التدخلي في الشأن العربي، وفي الأمن الخليجي، ومحاولاتها الرامية لشد الأطراف العربية، وأيضا في عدم حسم إيران موقفها من قضايا خلافية رئيسة. مبادرة الأمين العام وإن نظرت إلى إيران من خلال العلاقة العربية مع تركيا، إلا أن السياسة التركية تختلف كلية عما تعمل في إطاره السياسة الإيرانية، فقد أعربت تركيا منذ البداية أنها ساعية نحو التعاون والشراكة، وليست لديها أجندات سياسية، ولا أبعاد مذهبية، ولا فصيل عسكري، ولا تهريب للسلاح والمخدرات، وتأليب إعلامي على الدول العربية الرئيسة والمحورية في المنطقة، ومحاولة كسب استعطاف الشارع العربي، في الوقت الذي تقضم فيه الأراضي العراقية وتحتل الجزر الإماراتية، ويخرج علينا بعض مسؤوليها بالحديث عن فارسية الخليج لا بل وتهديدهم عروبة البحرين،ناهيك عن حملة التفريس المنهجي في العراق، ونهب ثرواته النفطية. كيف سيقبل العرب بمبادرة تمنح إيران علاقات عربية على طبق من ذهب،ورغم حالة الجفاء الرسمي مع إيران إلا أن إيران لم تتورع عن زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي، لا بل إنها طامحة لبناء شرق أوسط إيراني جديد، وهي ساعية للتفاوض والتفاهم مع واشنطن والاتحاد الأوروبي باعتبارها القوة الوحيدة في الشرق الأوسط الذي يستلزم أخذ رأيها في أي أمر يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط،هذا الكلام ليس تحاملا على إيران بل هذا ما قاله رئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد. هذا الكلام ليس غريبا، بل إن إيران عندما قدمت لها حزمة الحوافز الأوروبية، وضعت أربعة شروط رئيسة للتخلي عن مشروعها النووي المخصص بالطبع للأغراض العسكرية، أهمها أن طهران تطالب بدور إقليمي رئيسي في المنطقة وباعتراف غربي، وطهران ليس لديها ما يمنع لا سابقا ولا لاحقا من التفاهم وواشنطن وربما تل أبيب إن هي منحت دورا إقليميا، سيكون بالطبع على حساب الأمن القومي العربي والخليجي على الخصوص. إذا ما فائدة إدخال الدب إلى الحديقة العربية متهالكة الأسوار، خاصة أن طهران تنهب النفط العراقي، وتدعم به أوراقها في المنطقة بدءا من التنظيمات الشيعية في العراق، وبعض القوى الخليجية، وحزب الله وحماس ومؤسسات ثقافية وصحافية وحزبية عربية؟ واللافت للانتباه أن تدخل إيران تلك إلى حاضرة العمل السياسي العربي كمساند رئيس للمقاومة التي تستثمرها لخدمة مصالحها السياسية، فعلى ذمة مقربين من حركة حماس أن الحركة حتى عام 2005 لم تتسلم من طهران غير دعم معنوي وكلامي فقط رغم تعهداتها لحماس بدعمها بـ 250 مليون دولار، والأنكى من ذلك أن أحد وفود حركة حماس قال: إن طهران عرضت علينا ليلا زواج المتعة فتأكد لنا أن هناك فصلا تاما بين السياسة والدين في إيران رغم أن الظواهر تبدي عكس ذلك. على أي قاعدة تكون العلاقات مع الجارة الكبيرة إيران، هل بقبول التدخل الإيراني، هل بفرض الأمر الواقع لتتدخل طهران فيما بعد في رسم معادلاتنا السياسية والأمنية، وربما تشاركنا في اختيار سفرائنا للخارج ومواقفنا،وربما يتطور الأمر أكثر أن نأخذ مباركة طهران على أي سياسة أو فكرة أو حوار ولقاء كما يفعل البعض. الحوار والتعاون سمة رئيسة في العلاقات الدولية، وهو نمط درجت عليه الأمم والمجتمعات، لكن الحوار والتعاون لهما ضوابط وحدود واطر وأرضية تحتية ينطلقان منها، وعلى المطالبين ببدء حوار مع طهران ألا يتجاهلوا حقيقة السياسة الإيرانية، وإلا يغريهم البعد الديني أو رفعهم شعار المقاومة والعداء لأمريكا، فكبار القيادات الأمنية الإيرانية يلتقون قيادات في سي أي إيه وهم من نسق وبنى التفاهمات الإيرانية الأمريكية حيال أفغانستان والعراق، وهم من حاور تنظيم القاعدة وتفاهم معه على ضرب الأمن الوطني والقومي العربي . السياسة ليست عواطف وأمنيات بل حقائق ووقائع دامغة وحقيقة إيران أنها ليست ساعية لعلاقات حسن جوار عربية على الإطلاق، بل ساعية وجادة إلى مد نفوذها على المنطقة وتنتظر مباركة أو ضوءا أخضر أمريكي، ولننظر في مجموعة الشكاوى العربية الرسمية على إيران. قد يتناسى البعض ما سعت إليه طهران من تعزيز الانفصال والخصام المسلح بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس وأنها الوحيدة من يدعم عدم تحقيق المصالحة بين الطرفين لا لأسباب تتعلق برؤيتها عامل المقاومة وليس لسلامة نيتها وإنما تنظر للأمر من باب كيف تخدم المقاومة فاعلية الأوراق الإيرانية المؤثرة في السياسة الإقليمية، وكيف يمكن استخدامها حال تعرض إيران لحصار أو لحملة عسكرية، ما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقول في قمة سرت الأخيرة إن من يعطل المصالحة الفلسطينية هي إيران. ولعل التمرد الحوثي ما زال حاضرا في الأذهان كيف تدخلت إيران واستغلت علاقاتها باليمن وحاجته المادية، لتنشئ موطئ قدم لها في خاصرة الأمن الخليجي، وموطئ قدم قريب من القراصنة الصوماليين المدعومين من قبل إيران، ولتتخذ من بعض الموانئ الإفريقية منطلقا لحرسها الثوري ولقوات حزب الله مرة لشد أطراف المنطقة ومضاعفة صراعاتها ومشكلاتها لتخفيف حدة الضغط على إيران، ومرة لتعزيز معالم النفوذ الإيرانية بعيدة المدى في المنطقة ضمن رؤية تفيد بأن المشكلات في الخليج لا تحل إلا عبر موافقة إيران وكذلك في غزة ولبنان والعراق. نعم نحن مع الحوار الهادئ المتزن والعقلاني، لكن أين هي العقلانية الإيرانية التي تجاوزت عن اتفاقات وتفاهمات وصفتها طهران بأنها استراتيجية؟ أين إيران من الترحيب الخليجي بالرئيس أحمدي نجاد ودعوته لحضور القمم الخليجية؟ أين طهران من الخطاب الخليجي الرافض للعمل العسكري ضد إيران داعيا إلى إبقاء قنوات الاتصال والحوار الدبلوماسي مفتوحة؟ أين إيران من رفض الرياض لدعوة الإدارة الأمريكية السابقة لدعم المشروع الأمريكي للحرب على إيران؟ أين إيران من رفض دول الخليج ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على الصين لدفعها لدعم قرار مجلس الأمن بالحصار الاقتصادي على إيران؟ ليقل لنا العقلاء ماذا عملت إيران غير محاولاتها المستميته لشق وحدة الصف العربي، وتقسيم العرب ممانعة واعتدالا، ماذا عملت غير محاولاتها الجادة النيل من الدورين المحوريين للسعودية ومصر لولا حكمة خادم الحرمين الشريفين وسحبه البساط من تحتها في قمة الكويت. إيران تعبث بشكل منهجي بالأمن العربي، تدعم دور النشر العربية لخلق ثقافة ذات مرجعية إيرانية، وتدعم عمليات التشيع في عديد من الدول العربية وتمنح بعض الصحف العربية تمويلاً كبيراً وتنشط في تعزيز العلاقة مع القوى والأحزاب العربية مرة بحجة دعم المقاومة ومرة دعم القدس ومواجهة الاستطبار الأمريكي. على الداعين لتعزيز العلاقات مع إيران دعوة إيران لتقديم أسس ومبادئ وسياسات عملية وحقيقية لهذا الحوار تستند إلى عدم التدخل في الشأن العربي واحترام سيادته واستعادة أراضيه المحتلة ليس في فلسطين وحدها التي تتخذها شماعة ولكن من بينها جزر الإمارات العربية وشط العرب،وعدم العبث بالأمن السياسي والاجتماعي والمذهبي للدول العربية.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها