Author

الدعوة إلى تطوير تشريعات الحوكمة في سبعينيات القرن الماضي

|
استمرارا لحديثنا عن تطور حوكمة الشركات كعلم، والدعوات لإصدار تشريعات وقوانين ما بين استرشادية وملزمة للشركات حتى يتم وضع هذه القوانين في بوتقة واحدة لتطبيق ممارسات الحكم الرشيد الذي يعود بالنفع على جميع الفئات المستفيدة. وكما لاحظنا في المقال السابق أن أغلبية حالات الفشل أو الانهيار للشركات القائمة يمكن إسناده إلى ضعف في إدارة وتشغيل الشركات أو ما يعرف بـ Governance، وفي هذا المقال سنحاول استعراض التطور التاريخي الحاصل فيما يتعلق بحوكمة الشركات على مدى العقود الأربعة الماضية. في الأعوام التي سبقت عام 1990 شهدت الشركات حقبة خاصة من التطور على صعيد الأمور المتعلقة بفصل الملكية عن الإدارة، وضمان حقوق الملاك وغير ذلك. وبدأت تشهد الشركات نتائج مثل هذه الممارسات بعد عام 1990، في حينه بدأت تظهر للعالم بعض النتائج السلبية للممارسات الخاطئة من إدارات الشركات, الذي أدى إلى حدوث عدد من الانهيارات المالية للشركات، وهو ما دفع بقوة إلى بروز مصطلح حوكمة الشركات والاصطفاف الأكاديمي والتطبيقي حول هذا العلم على أساس أنه يمثل الحل الأنجع لمشكلات إدارة الشركات، وبدأت تظهر الدعوات في هذه الأعوام بضرورة إلزامية هذه القوانين على كل الشركات العاملة في الأسواق المالية، بل تعدت إلى قطاعات أخرى منها الحكومية والخيرية والخدمية. من المعروف أن مجلس إدارة الشركة يعد أقوى وسيلة لتطبيق وممارسة الحوكمة الجيدة للشركة، ففي بداية السبعينيات تبنى Mace وجهة النظر التي تقول إن من الصعب الحكم بأن مجالس الإدارة قادرة على القيام بأعمالها الأساسية التي منها: 1- صياغة الأهداف الأساسية للشركة، تحديد استراتيجية الشركة، وإصدار دليل الممارسة لأعمال المجلس. 2- مناقشة الموضوعات الخاصة بالشركة بطريقة علمية. 3- اعتماد طريقة لاختيار رئيس مجلس الإدارة. ونتيجة للحاجة الماسة في ذلك الزمن إلى إعادة صياغة الوظيفة الرقابية والاستشارية لمجلس الإدارة، فقد دُعي للاعتماد على تعيين مديرين مستقلين للشركات في أمريكا وهو ما يعرف بـ Independent outside directors. هذا التوجه كان مدعوما بقوة من قبل المستثمرين ومن قبل مجلس الأوراق الماليةSecurities & Exchange Commission في الولايات المتحدة. كما دعا المجلس إلى إنشاء لجان للمراجعة في الشركات يعين لها مديرين مستقلين من خارج الشركة. هذه التغييرات أثرت أيضا في بيئة العمل في المملكة المتحدة، ما دعا إلى وجود مطالبة لإحداث بعض التعديلات في الشركات العاملة في بريطانيا، فقد أنشئت لجنة متخصصة لدراسة هذا الأمر برئاسة Sir Brandon Rhys-Williams طالبت بتعيين مديرين غير تنفيذيين للشركات non-executive directors كما طالبت بإنشاء لجان للمراجعة في تلك الشركات، وأصدرت مشروع قرار بهذا الشأن لكنه لم يجد الدعم المتوقع من البرلمان لإقراره. على المستوى الأوروبي، في الاجتماع الخامس للمجلس الاقتصادي الأوروبي The European Economic Commission دعا المجتمعون إلى إحلال نظام The Two-Board System بدلا من نظام The Unitary-Boards System كما هو معمول به في ألمانيا. يعتمد نظام مجلس الإدارة المنفصل أو The Two-Board System على إنشاء مجلس خاص بأعضاء مجلس الإدارة من التنفيذيين، وآخر للمستشارين. في حين النظام الموحد The Unitary-Boards System يدعو إلى إنشاء مجلس واحد يضم التنفيذيين وغيرهم. أما في بريطانيا فقد أُنتقد هذا المخطط لدعوته إدراج ممثل عن العاملين في مجلس الإدارة. ولأن المديرين في الشركات العاملة في بريطانيا كانوا يقدرون نظام العمل المعروف بـ One-tier Board لقابليته للاستمرار والنجاح، على خلاف Two-tire system. بعد الاجتماع الأوروبي نُشر في بريطانيا تقرير لجنة رأسها Bullock وأصدرت تقريرا جاء فيه التوصية باستمرار العمل بنظام المجلس الموحد The Unitary-Boards System مع إضافة ممثل إلى العاملين في مجلس الإدارة، وهذا ما عارضه عدد من أعضاء مجالس الإدارة في بريطانيا. هذه المطالبات والتوصيات لإحداث تغييرات في سلوكيات وممارسات إدارة الشركات، والتشريعات والقوانين المعمول بها في حوكمة الشركات، ظهرت قبل ظهور مصطلح حوكمة الشركات بعقد من الزمان. ففي الولايات المتحدة نشأت هذه المطالبات بدعم من ملاك الأسهم، للتغلب على مشكلات مجالس الإدارة وعليه فقد ظهرت الحاجة إلى تطوير وسائل وممارسات الرقابة في الشركات، من خلال الموازنة والإشراف بين مهام وأعمال التنفيذيين والاستشاريين في الشركة. بينما في أوروبا كان المحفز لتطوير ممارسات حوكمة الشركات في السبعينيات من القرن الماضي هو التوجه السائد في ذلك الوقت لإنشاء سوق أوروبية مشتركة.
إنشرها