Author

أزمات المنافسة .. الحديد آخرها

|
كان الحديث عن ارتفاع أسعار الحديد خلال الفترة الماضية حديث المجالس، وكثرة التحليلات والتحقيقات الصحافية وتأويلات المنتجين عن أسباب الارتفاع وعن المتسبب فيه والمستفيد منه أو المستفيدين منه، وخرج لنا عديد من القطاعات الحكومية المختلفة لتبرير أو تطمين أو البراءة من تلك التصرفات, وبقي الحال كما هو عليه. وهذا الحديث يذكرني بأحداث كثيرة مرت على السوق المحلية ذات علاقة مباشرة بأبسط حقوق المستهلك وذات علاقة بأبجديات المنافسة العادلة في الاقتصاد، لكن ما زال المسلسل مستمراً في ظل غياب آليات واضحة للتحقق من اختراق المنتجين قواعد المنافسة وغياب واضح لضوابط إقرار ذلك الاختراق, وأخيرا غياب عقوبات رادعة للكبار قبل الصغار إذا ما أردنا الوصول إلى بيئة منافسة عادلة والحفاظ على حقوق المواطنين والمكتسبات الاقتصادية التي تحققت. ولعلي هنا أتذكر الصورة الأكبر للمنافسة منذ تم إنشاء مجلس لحماية المنافسة ومنع الاحتكار الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/25 وتاريخ 4/5/1425هـ, الذي يعد إنجازا آخر من إنجازات الإصلاحات الكبيرة التي تتبناها حكومة خادم الحرمين، التي تساعد على حماية كثير من الصناعات المحلية ودعمها، وكذلك تعطي مصداقية للآخرين, سواء الشركات الخارجية للتعامل مع السوق السعودية, أو دفعة قوية للشركات المحلية لتحظى بقيمة سوقية عادلة. وبيت القصيد أنه يسهم بشكل مهم وحيوي في استكمال حماية المنافسة ومنع الاحتكار, الذي أرى أنه بدأ وظهرت فوائده للمستهلك مع فتح باب المنافسة في الاتصالات, وعند تشغيل الرخصة الثانية للهاتف الجوال على وجه التحديد عام 2004. وعشنا منذ ذلك الوقت في نعيم المنافسة وإيجابية أبعادها على مستوى الفرد والمجتمع والاقتصاد بشكل عام، وأصبحت المنافسة تعني الكثير للكثيرين, وبالأمس القريب شاهدنا بإعجاب المنافسة للبث الإذاعي على موجات FM في المملكة العربية السعودية، بعد سنوات طويلة من الاحتكار. وإن كان الحديث سالف الذكر في خانة التنظير للفوائد التي يجنيها الاقتصاد والمستهلك على حد سواء، فإن المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق مجلس حماية المنافسة ومنع الاحتكار هي التطبيق على أرض الواقع وتحويل المميزات الكبيرة التي يحملها الغرض من إنشاء هذا المجلس رهن الاستراتيجية التي سيعمل بها والخطط التي سيطبقها. وهذا الحديث يجعلنا نتطلع إلى أن يتجاوز المجلس دوره المستوحى من اسمه في كونه الجهة التشريعية لأنظمة المنافسة ومكافحة الاحتكار إلى دعم تطبيق مواد نظامه على أرض الواقع وتحقيق النجاحات على أرض الواقع، ومع أزمة الحديد يبدو أننا ما زلنا نشهد اختراقات صارخة لأبسط معاني المنافسة الكاملة, وإخلالا صريحا بما جاء في مقدمة نظام حماية المنافسة ومنع الاحتكار, ''حيث يهدف النظام إلى حماية المنافسة العادلة وتشجيعها ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر في المنافسة المشروعة''، لكن الأهمية في هذا الطرح تكمن في أن استمرار تلك الاختراقات من دون تدخل واضح وصريح, هو اختراق للإنجازات الوطنية التي تحققت خلال السنوات الماضية من مسيرة الإصلاح الاقتصادي الكبير, وكذلك الأبعاد طويلة الأجل من حماية المنافسة وتشجيعها وكذلك مكافحة جميع مظاهر الاحتكار. ختام الحديث، إننا ننجح كثيرا في التشريعات وسن الأنظمة، ولكننا لا نحقق النجاح نفسه في التطبيق والمتابعة، وكذلك فإن هناك تداخلا واضحا للصلاحيات فيما يخص كشف ومتابعة اختراقات القطاع الخاص لقواعد المنافسة, وهو ما شهدناه كثيرا في قطاعات مختلفة خلال السنوات الماضية.
إنشرها