Author

هل تجاوزت اقتصادات الخليج الأزمة العالمية؟

|
ما انعكاس الأزمة المالية العالمية على منطقة الخليج؟ وكيف تعاملت اقتصادات الخليج مع الأزمة؟ ما سلبيات هذا التعامل؟ وماذا عن كفاءة السلطات المالية الخليجية في إدارة الأزمة في ظل استمرار ربط عملاتها المحلية بالدولار الأمريكي؟ وما أهم التوصيات لمسح آثار الأزمة المالية العالمية، إن وجدت؟ حاول مجموعة من الباحثين في صندوق النقد الدولي الإجابة عن هذه التساؤلات بهدف التعرف على مدى تعرض اقتصادات الخليج إلى الأزمة الاقتصادية العالمية. صدرت الدراسة قبل أسبوعين تحت عنوان ''تأثير الأزمة المالية العالمية في دول مجلس التعاون الخليجي والتحديات القادمة'' Impact of the Global Financial Crisis on the Gulf Cooperation Council Countries and Challenges Ahead. أشارت الدراسة إلى أن الأزمة المالية العالمية أسهمت في حدوث مجموعتين رئيستين من التأثيرات في اقتصادات الخليج. المجموعة الأولى هي تأثيرات مباشرة تمثلت في انخفاض أسعار النفط، وتدني مستويات إنتاجه، وتراجع معدلات السيولة الاستثمارية المتوافرة في الأسواق العالمية. أسهمت هذه التأثيرات المباشرة في حدوث ضغوط على كل من مستويات عوائد النفط على اقتصادات الخليج، ومستويات الاحتياطات النظامية في مراكزها المالية. أما المجموعة الثانية فهي تأثيرات غير مباشرة تمثلت في الضغط على مستويات السيولة في القطاعات المصرفية الخليجية، والتحفظ على سياسات التمويل المالي، وزيادة تقنين تدفقات الرساميل الأجنبية إلى اقتصادات الخليج، وانخفاض ثقة المستثمر الأجنبي بمتانة الاقتصادات الخليجية. تعاملت اقتصادات الخليج مع الأزمة المالية العالمية بسياسة شمولية احتوت على مجموعة من الإيجابيات والسلبيات. أشارت الدراسة إلى أن أثر الأزمة في اقتصادات الخليج كان معتدلا بعض الشيء على الرغم من تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية من 147 دولارا للبرميل منتصف 2008 إلى 34 دولارا للبرميل نهاية 2008. كان من أهم الدوافع التي مكنت اقتصادات الخليج من امتصاص آثار الأزمة المالية العالمية استجابة السلطات المالية الخليجية السريعة والشاملة لتداعيات الأزمة. اتضحت هذه الاستجابة من خلال التدابير الفنية التي اعتمدتها السلطات المالية الخليجية في تعزيز القطاعات المالية, ما أسهم في استقرارها، وحفاظها على ثقة المستثمرين المحليين، ومواصلتها تحقيق أرباح مالية خلال فترة الأزمة المالية. من أهم هذه التدابير دعم القطاعات المالية وسياساتها المالية لمواجهة التقلبات الدورية من خلال الاعتماد على احتياطي النقد الأجنبي المتراكم خلال سنوات الازدهار الاقتصادي التي سبقت فترة الأزمة المالية. أسهمت هذه التدابير في تسجيل الناتج المحلي الخليجي الحقيقي غير النفطي معدل نمو بمقدار 3 في المائة خلال 2009 مقارنة بمعدل النمو المسجل في 2008 البالغ 6 في المائة. وعلى الرغم من هذه الإنجازات التي حققتها السلطات المالية الخليجية في امتصاص تأثير الأزمة المالية العالمية في تنافسية الاقتصادات الخليجية، إلا أن هذه المهمة لم تخل من التحديات التي أسهمت في نشأة فجوات مالية جديدة. من أهم هذه الفجوات ظهور تحدي التضخم على السطح كتحد رئيس يواجه نمو الاقتصادات الخليجية بعد أن كان خلال العقود الماضية تحديا ثانويا لا يسترعي ذلك الاهتمام والتركيز. تعود جذور هذه الفجوات المالية إلى نمو حجم الائتمان المصرفي الخليجي، بشكل عام، والقطري والإماراتي، بشكل خاص، خلال فترة الازدهار (2003 ـ 2008) التي سبقت الأزمة المالية. أسهم هذا النمو في تضاعف مساهمة الائتمان المصرفي الخليجي غير النفطي خلال هذه الفترة من خلال زيادة الاعتماد على الائتمان الأجنبي. تفاعل الائتمان المصرفي الخليجي بعد ذلك مع باقي أفرع الاقتصادي الخليجي, ما أسهم في زيادة تدفق الرساميل الأجنبية إلى الاقتصادات الخليجية، ودعم درجة التفاؤل لدى المستثمرين المحليين. انعكست هذه التطورات على ظهور تحديين. التحدي الأول ظهور ضغوط تضخمية من جراء زيادة الطلب على نشاطي العقارات والأسهم، ما أدى إلى تضخم أسعر أصولها إلى مستويات غير مسبوقة ناهيك عن منطقيتها الاقتصادية. والتحدي الآخر، وضع القطاع المصرفي الخليجي أكثر عرضة لمخاطر تراجع أسعار أصوله المالية عن ذي قبل. أشارت الدراسة كذلك إلى مدى كفاءة السلطات المالية الخليجية في إدارة الأزمة المالية في ظل استمرار ربط عملاتها المحلية بالدولار الأمريكي. من أهم إيجابيات ربط العملة المحلية بالدولار الأمريكي توافر شرطين رئيسين. الشرط الأول، استقرار الاقتصاد الكلي الأمريكي. والشرط الآخر، تزامن دورة الاقتصاد الأمريكي مع مثيلتها في اقتصادات الخليج. توافر هذان الشرطان خلال الفترة الزمنية الماضية وحتى أواخر 2006 عندما بدأت دورة الاقتصاد الأمريكي تتباعد عن مثيلاتها في اقتصادات الخليج مع ظهور أزمة الرهن العقاري في الاقتصاد الأمريكي. أسهم هذا التباعد الاقتصادي في ظهور ضغوط تضخمية على اقتصادات الخليج، بشكل عام، وسياساتها النقدية، بشكل خاص. خلصت الدراسة إلى خمس توصيات لدعم متانة اقتصادات الخليج ضد تقلبات الاقتصاد العالمي. الأولى، اعتراف المؤسسات المالية الخليجية بمستويات خسائر الائتمان المصرفي. الثانية، البدء في عمليات رسملة الديون الناجمة عن الخسائر المالية. الثالثة، زيادة درجة التزام أصول المؤسسات المالية بأنظمة وإجراءات السلطات المالية الخليجية. الرابعة، معالجة أوجه القصور في الأطر التنظيمية والإشرافية والقانونية التي تحكم عمل المؤسسات المالية الخليجية. والخامسة، تطوير الأسواق المالية الخليجية بما يضمن تنويع قنوات التمويل المالي. مرت اقتصادات الخليجي خلال الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية بمرحلة نمو وازدهار اقتصادي عمت معظم أفرع الاقتصادات الخليجية. أسهمت مرحلة النمو هذه في زيادة عائدات اقتصادات الخليج وتسجيلها مستويات تاريخية جديدة. ساعدت هذه الإنجازات اقتصادات الخليج على امتصاص التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية والتقليل من تأثيراتها في نموها الاقتصادي. وعلى الرغم من أن المؤشرات على المدى المتوسط تشير إلى خروج اقتصادات الخليج من تداعيات الأزمة المالية العالمية، إلا أن تعميم ذلك لتشمل المدى البعد يستوجب التأكيد على البدء في إعادة هيكلة السياسات المالية الخليجية من خلال زيادة الاعتماد على الموارد المحلية بما يضمن تدعيم الاقتصادات الخليجية ضد تقلبات الاقتصاد العالمي المقبلة.
إنشرها