Author

السوق العقارية وحماية المستهلك وسنة التدافع

|
ما هو مشترك بين كل الهيئات المنظمة لأي سوق كانت هو تنظيم السوق وتطويرها وحماية المتعاملين فيها, ولا شك أن التطوير لن يكون دون تنظيم ولن يجدي التنظيم نفعا دون حماية عناصر السوق من طغيان بعضها على بعض، والطغيان هنا لا يكون من القوي فقط بل قد يكون من الضعيف أيضا, وإن كان الطغيان من القوي أكثر احتمالا. طغيان أو تعسف الطرف القوي وهو عادة ما يكون من مقدمي الخدمات أو المنتجات من منظمات وأفراد, وإن حقق مكتسبات لمصلحته على المدى القصير إلا أنه بكل تأكيد سيكون له ضرر كبير على السوق على المديين المتوسط والبعيد, الأمر الذي سينعكس عليه سلبا بالمحصلة، وبكل تأكيد تنطبق هذه الحقيقة فيما إذا كان المتعسف أو المتلاعب الطرف الأضعف في المعادلة. لا يمكن الاعتماد على عقلانية الإنسان وفهمه الآثار السلبية على الظلم والطغيان والتعسف التي ستعود على السوق الذي يعمل فيه وعلى الوطن وعليه بالمحصلة, وبالتالي لا بد من أن تفعل أطراف السوق كافة لتدفع بعضها بعضا لمنع وقوع فساد السوق وما يترتب عليه من آثار سلبية في الجميع, وكما هو معروف فإن مؤسسات المجتمع المدني من أهم عناصر التدافع في الأسواق نظرا لقدرة القوي على هضم حقوق الضعيف, وإن كان كثيرا على اعتبار أن الكثير أفرادا مستهلكين غير منظمين ليس أمامهم سوى الشكوى والتذمر دون جدوى ما لم يجدوا منظمة تمثلهم وتدافع عن حقوقهم من خلال النظام. السوق العقارية سوق تمس حياة كل إنسان فلا أحد يعيش دون مأوى عقاري, كما تمس كل نشاط اقتصادي, فلا نشاط اقتصاديا دون مقر عقاري, وأي اختلال في هذه السوق نتيجة طغيان أحد أطرافها على الآخر يؤدي إلى فساد في هذه السوق ينعكس على الجميع, لكن دون أدنى شك ينعكس بشكل مؤلم على المستهلكين أكثر من المنتجين والمتاجرين. الكل يعتقد اليوم أن العقار وصل إلى أسعار فلكية غير مبررة في ظل غياب أنظمة تحد من طغيان الأقوياء (الملاك، المطورون، والمتاجرون) حتى بتنا نعاني مشكلة تضخم كبيرة في أسعار المساكن وقيمة الإيجارات يعانيها الكثير من المواطنين والمقيمين والمستثمرين في غير أنشطة القطاع العقاري، ولا شك أن التضخم في أسعار القطاع العقاري تنعكس بشكل كبير على التضخم في أسعار السلع والخدمات. موظفون بمتوسط رواتب خمسة آلاف ريال وصلت إيجارات الشقق التي تؤويهم وأفراد أسرهم إلى 2000 و2500 ريال شهريا بنسبة تصل إلى نحو 50 في المائة من دخولهم الشهرية ما يجعلهم يعانون ضنك العيش, وبكل تأكيد فهؤلاء لا يحلمون بمسكن يملكونه مهما انتعشت البدائل التمويلية, فأسعار الأراضي العالية جدا تشكل اليوم أكثر من 40 في المائة من قيمة المساكن, والمطورون الأفراد الذين ينتجون مساكن متدنية الجودة تتطلب صيانة قبل أن تسكن لا يرضون بأرباح منطقية, ولقد وجدت مساكن أجزم أن تكلفتها لا تتجاوز مليون ريال معروضة بأكثر من مليوني ريال, أي بنسبة ربح أكثر من 100 في المائة. كلما ذهبت بسيارتي إلى ورشة السيارات أجد أسعار خدمات التصليح عالية وغير منطقية, وعندما أتساءل عن السبب يكون الجواب الارتفاعات غير المتوقفة من مالكي العقارات الصناعية باستمرار ودون توقف, وهذا ما يقوله بقية المستثمرين في الأنشطة الأخرى, حيث يقول لي أحد المستثمرين في مقهى إن العقاري رفع عليه الإيجار إلى الضعف ما دعاه لرفع أسعاره, ثم جاءت السنة الثانية ليرفع السعر ما جعله ينهي نشاطه متذمرا. على الطرف الآخر تسمع المستثمرين في العقارات الاستثمارية يشتكون من تخلف بعض السكان عن السداد ما يجعلهم يحجمون عن هذا النوع من الاستثمارات, لكن للأمانة هؤلاء لم يعدموا الحل حيث تحركت اللجان العقارية في الغرف التجارية فعالجت المشكلة لكن من يتحرك لمصلحة المستهلك؟ من يتحرك للحد من الارتفاعات السعرية في أراض بيضاء في صحار جرداء لا نهر ولا بحر سوى الردميات نتيجة حركة طلب وعرض مصطنعين بين المكاتب العقارية بنجش بواح لا يخفى على أحد دون حيلة للحد من ذلك. أحد الأصدقاء يقول إنه اكتشف أنه استخدم في عملية رفع أسعار أراضي منطقة دون أن يعلم, حيث إن أحد المكاتب يدعوه لشراء أرض بسعر معين ويضمن له الربح لأن المنطقة سترتفع كما يدعي ثم ما يلبث أن يتصل به عارضا عليه ربحا سريعا فيبيع وهكذا حتى وجد أن الأرض تضاعفت ولما دقق في الأمر وجد أن المكاتب تستخدم مجموعة من المضاربين لرفع أسعار أراضي المنطقة التي يعملون فيها من ناحية ولتنفيذ أكبر عمليات بيع تحقق لهم أعلى عمولات والجميع راض ورابح لكن الخاسر الوحيد المستخدم النهائي والوطن فضلا عمن يمسك الجمرة (الأرض بأعلى سعر ولا يجد من يشتري بسعر أعلى). أعتقد أن حلا لارتفاعات أسعار العقارات بتعزيز آليات تدافع السوق من أنظمة ومؤسسات مجتمع مدني وشركات عقارية واعية بات أمرا مطلوبا, ولن تعدم حكومتنا الرشيدة الحل بما لديها من أدوات متعددة تستطيع أن توازن بها بين حقوق أطراف السوق العقارية كافة لحماية الجميع والوطن بالمحصلة، كما أعتقد أن تفعيل دور جمعية حماية المستهلك في السوق العقارية بات أيضا مطلوبا لتحقيق التدافع الذي يمنع الفساد, إذ لا بد أن تواجه جمعية حماية المستهلك اللجان العقارية في الغرفة التجارية والصناعية.
إنشرها