Author

معادلة العرض والطلب العقارية معطلة.. لماذا؟ وما الحلول؟

|
يبدو أن سمة التغير ستبقى إشكالية, وبالتالي تصبح شكلية وليست جوهرية ما لم تتوافر جرأة أكثر في التغير والتطوير! وهي السمة المسيطرة على كثير من جوانب الحراك الذي لا نزال نشهده في السنوات القليلة الماضية. مع ضرورة الاعتراف بأنه لا توجد إمكانية للتغيير الكامل من اليوم الأول بطبيعة الحال. والجميع يشاهد مقاومة شرسة للتغير والتغيير بشكل واضح، وإن كان أصحاب تلك المقاومة لا يرغبون في التصادم مع التيار الآخر, ولا أقول العام، لأنه يصعب أن نصفه بالعام، ونحن ليس لدينا وضوح في رؤية التيار العام من الخاص. وعليه يصبح هناك شك في أن الرغبة هي فقط في الانحناء للعاصفة كتكتيك، لكن ليست هناك نية حقيقية للتغيير الحقيقي من قبل المعنيين بمقاومته لمجرد قناعات قديمة أو مصالح قائمة. وإن كنت أيضا لا أعلم ما التغيير المنشود للمجتمع! والشكل الذي نسعى ويرغب الجميع التعايش فيه! هل نريد مجتمعا طبيعيا كباقي مجتمعات العالم؟ أم نريد مجتمعا على مقاس معين وأطوال محددة! وبالتالي ما تلك المقاسات والأطوال؟ ودون أن أذكر جهات أو أسماء ينطبق عليها الحال المذكور، هناك أدلة على أن كثيرا من التطورات الأخيرة، نجد فيها أن التغير كان في المظهر دون المخبر على الأقل حتى الآن، بدلالة عدم مناقشة صلب المشكلات التي تولدت نتيجة خلل في صميم الفكرة والتفكير وليس بالطريقة التي يتم تنفيذها على أرض الواقع في كثير من شؤون حياتنا. ولا تشذ عن تلك القاعدة هموم وشجون العقار التي أصبحت اليوم مرهقة للجميع, كما هي حال كثير من مرافق حياتنا، للقيادة العليا كما هي للمسؤولين وللقطاع الخاص وللمستفيد النهائي وهو المواطن الذي يريد فقط ''قطعة'' يستر فيها نفسه وأولاده، ويطمئن إن حدث له مكروه أن يبقي لهم بعد الله على الأقل مكانا يؤويهم ويستر عوراتهم. وهو أمر يجب ألا يكون فيه منة من أحد، ولا ينظر إليه كمسألة ضمان اجتماعي لمحتاج! لأنه يصعب علينا تقبل أن أكثر من 60 في المائة من المواطنين هم من المحتاجين! وإن لم نتفق على نسبة من لا يملكون منزلا ممن يملكون، سواء كانت 80 في المائة، أكثر أو أقل. فهي بالتأكيد فوق 60 في المائة. يبقي أن نقول إن هناك قصوراً واضحاً في آلية الوصول إلى المسكن! الوضع القائم اليوم مضر بالجميع دون استثناء، وإن كان القطاع العقاري كقطاع مهم من ناحية مساهمته في الناتج المحلي، إلا أن بقاءه على هذا الشكل أمر يجب ألا يستمر أكثر مما استمر. فلا يهم أن يكون لدينا أرباب عقار يملأون جيوبهم بالمليارات على حساب الجميع! وبالتالي حتى الآن التغير الحاصل لا يعدو أن يكون شكلياً لا جوهرياً! القطاع العقاري والسكني تحديداً له أبعاد كثيرة، منها الأمني وكيفية إدارة المدن واستتباب الأمن، ويكفي الإشارة إلى تجربة مدينة نيويورك عندما كانت نسب الجريمة فيها عالية، وكان أحد الأسباب المباشرة هو وجود أحياء سكنية مهملة غير منظمة وغير مناسبة للسكن مثل حي هارلم الشهير، وتجربة دبي الأخيرة والمبالغة في تعظيم الأسعار! ومنها الاجتماعي واندماج المجتمع في بيئة معمارية سليمة. ومنها الاقتصادي وبالذات أنه قطاع متداخل مع قطاعات كثيرة، أهمها قطاع المقاولات. ومنها البعد الإنتاجي للمجتمع عندما يكون مرتاحاً نفسياً واجتماعياً. لذا نجد أن هناك حزمة من خمسة أنظمة ينتظر صدورها خلال الفترة المقبلة وعلى رأسها نظام الرهن العقاري، ونظام التمويل العقاري، ونظام التأجير التمويلي، ونظام التنفيذ، وأخيراً نظام مراقبة شركات التمويل. وكلها واضح أنها تركز على الجانب المادي من قضية العقار وتحديدا التمويلي. وهو أمر جيد لكنه غير كاف. حيث أصبح الحديث عن تلك الأنظمة وبالذات نظام الرهن العقاري وكأنه عصا موسى التي تقلب البحر براً! ولو استعرضنا دورة القطاع العقاري من أولها إلى آخرها، لوجدنا أن هناك أمورا عدة قبل إيجاد أنظمة التمويل، التي آمل ألا تصدر قبل أن يتم حل المعضلات الأهم التي هي في حاجة إلى أن تكون أوضح وأكثر تنظيماً. وأول تلك الأمور وأهمها التي تأخذ نحو 40 في المائة تقريبا من قيمة المسكن أو المبنى هي آلية توزيع الأراضي البيض وأسعارها، وكيف تصل إلى يد المواطن أو المستفيد النهائي بعد دورة متكاملة بين أيادي العقاريين! فهل من المعقول أن نجد أن سعر المتر يصل إلى ما فوق ألف وألفي ريال بين الإقطاعيين أولا، قبل أن يصل إلى يد المستفيد النهائي! كيف وصلت تلك الأراضي إلى أيد هؤلاء الإقطاعيين الجدد أصلا؟! أو أن يذهب للأودية والشعاب ومناطق الدفن لبناء مسكن متواضع! هذا هو لب الموضوع اليوم، وهو أن معادلة العرض والطلب في القطاع العقاري وتحديدا في أسعار الأراضي البيض معطلة لأسباب كثيرة ومتداخلة منها بفعل فاعل! ومنها نتيجة غياب التنظيم للقطاع العقاري وعلى رأسها آلية التثمين والتسعير! من المفترض أن سعر متر الأرض البيضاء يحدده الطلب والعرض، وهذا ما ينشده الجميع، كما أن العرض موجود وبكثافة، فنحن نعيش في بلد ولله الحمد قارة مترامية الأطراف، ولا يوجد لدينا ضيق في المساحات. وكذلك الطلب موجود لكنه مقيد اليدين! إذن معادلة العرض والطلب معطلة، ولو أخذنا نماذج على تسعير مناطق معينة في مدينة الرياض لوجدنا أن عمليات كثيرة من البيع والشراء تتم بين مجموعة من العقاريين لخلق طلب غير حقيقي، لأن الطلب موجود لكنه غير قادر على الدفع بسبب طريق التسعير! خصوصا إذا كان متوسط دخل المواطن لا يتعدى ستة آلاف ريال أكثر أو أقل قليلاً. ولو تم التدقيق في عمليات البيع والشراء التي تتم على أحياء معينة في مدينة الرياض تحديدا لوجدنا أن كثيرا منها تتم بين مجموعة محددة ومحتكرة تبيع وتشتري بين بعضها بعضا بهدف خلق معادلة عرض وطلب غير حقيقية بانتظار التغيرات التي يرى العقاريون أنها ستحدث قريباً ومنها الأنظمة التي يتوقع صدورها. لذا نأمل ألا تكون الأنظمة التي ستصدر بالشكل الذي يتمناه العقاريون فقط، ولا تأخذ في الحساب المستفيد النهائي. والله من وراء القصد.
إنشرها