Author

متى تنجح المشاريع؟

|
جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، ومركز الملك عبد الله المالي، وجامعة الأميرة نورة، جميعها مشاريع حالية توصف، بشكل عام، بأنها ناجحة من حيث حسن وسرعة التنفيذ، وذلك حسب الخطة الزمنية والمالية المعدة لها، على الرغم من ارتفاع التكلفة بشكل كبير. وبمقارنة هذه المشاريع الرائدة بالمشاريع الحكومية الأخرى المتعثرة لسبب أو لآخر، نتساءل، لماذا تنجح هذه المشاريع، بينما تتعثر بعض المشاريع الحكومية؟ من أهم عوامل النجاح في المشاريع، أيا كان نوعها سواءً كانت في البنى التحتية من شبكات مياه وصرف صحي وتصريف سيول وكهرباء واتصالات، أو مشاريع تطويرية في مجالات التعليم والصحة والتعاملات الإلكترونية وغيرها، عمل وتفاعل شركاء المشروع من المالك والمستفيد (الجهة الحكومية وجميع الجهات ذات العلاقة) والمقاول أو الاستشاري بشكل متواصل وعادل، واستخدام عقد عادل ومرض لجميع أطراف المشروع من حيث الأسعار والتكاليف والمواد والفترة الزمنية، مع توفير نوع من المرونة المحكومة والمقننة لإجراء أي تعديل إذا تغيرت الظروف، والالتزام بجميع بنود التعاقد وخصوصاً جدول الدفعات دون تأخير، مع فرض غرامات تأخير على الطرفين وليس فقط على طرف واحد، ونقل وتوطين المعرفة من الخبراء من الشركات المنفذة للمشاريع إلى العاملين والمشاركين في المشروع من طرف العميل أو الجهة الحكومية، وتوافر الخبرات والقدرات المؤهلة في تخطيط وإدارة تنفيذ المشاريع، وإدارة المشروع بطريقة مهنية واحترافية عالية. ومن خلال مراجعة بسيطة نجد أن بعض عوامل نجاح المشاريع المطلوبة قد توافرت في المشاريع المذكورة أعلاه مثل مشروع جامعة الملك عبد الله. فهذا المشروع، تم تمويله وتنفيذه من مكتب إدارة المشاريع في شركة أرامكو، وتم تطبيق عقود المشاريع الخاصة بـ ''أرامكو''، وبوشرت إدارة المشروع من خلال مكتب إدارة مشاريع متخصص وموجود في الموقع. وبمقارنة هذا المشروع والمشاريع الأخرى المذكورة أعلاه مع طريقة تخطيط وتمويل وتنفيذ وإدارة المشاريع الحكومية، نلاحظ ما يلي: 1. تم تغيير المالك والمستفيد (بشكل مؤقت) من المشروع من جهة حكومية تغلب على ممارساتها البيروقراطية إلى شركة أرامكو مثلاً، وهي الجهة المشرفة أيضاً. والفرق هنا، أن ''أرامكو'' تملك الخبرات والتخصصات المطلوبة لإدارة مشاريع أياً كان حجمها، وعلى الأقل ـ حسب النتائج الملموسة ـ هي أفضل من الجهات الحكومية في مجال تنفيذ المشاريع، على الرغم من أن ''أرامكو'' ليست شركة متخصصة في إدارة المشاريع. 2. تم تغيير نظام التعاقد، من تعاقد يعتمد على نظام المشتريات الحكومي، وهو نظام ''إذعان''، إلى نظام عادل ومنصف ومرن بين أطراف المشروع، يحفظ لجميع أطراف المشروع حقوقها ويطالبها بجميع التزاماتها، من خلال خطة زمنية واضحة ودقيقة. 3. تم التعامل مع جدول الدفعات مع المقاولين بشكل احترافي، وحسب نصوص العقد الموقع، وليس أي شيء آخر. وهذا التسهيل والدعم المالي، يساعد المقاولين في إدارة التدفقات النقدية المطلوبة للمشروع. 4. تم التعامل مع المقاولين كشركاء استراتجيين حقيقيين، لهم دور أساسي في نجاح المشروع، وليس كطرف خصم وخارجي، يخضع لأهواء ورغبات ومزاجيات موظفي إدارات المشروعات، والمشتريات والعقود، والمالية في بعض القطاعات الحكومية. كما أن هذا التعامل المهني والمدروس من قبل ''أرامكو'' مثلاً، يساعد على رفع مستوى الشركات المتعاقد معها، ويحفزها على زيادة استثماراتها وتطوير قدراتها في مجال المقاولات، مما يرفع مستوى قطاع المقاولات بشكل كبير. 5. هناك نقاط اتصال مسؤولة ومحددة بين أطراف المشروع. فـ ''أرامكو'' مثلاً تحدد الشخص المسؤول عن إدارة المشروع واعتماد أي تغييرات في نطاق المشروع، مما يعطي نوعا من الثقة والوضوح لدى المقاول في طريقة التعامل. 6. لا يوجد أي تأثير لنوع المقاول، سواءً كان محلياً أو خارجياً أو من الباطن، على أداء ونجاح هذه المشاريع. فقد تعددت الشركات المنفذة بين محلية وخارجية، إضافة إلى استخدام عقود من الباطن بشكل كبير. 7. لم نسمع بمشكلات وخلافات قانونية ومالية بين أطراف المشروع، مما يشير إلى وجود مناخ عمل وتعاون صحي وتواصل ونقاش مفتوح وصريح أولاً بأول. وبتحليل بسيط ومنطقي من خلال تطبيق الملاحظات المدونة أعلاه على المشاريع الحكومية، بشكل عام، يمكن تحديد جوانب الخلل والضعف في الوضع الحالي لتخطيط وإدارة وتنفيذ المشاريع، التي يمكن تلخيصها فيما يلي: 1. هناك ضعف وقصور لدى الجهات الحكومية فيما يخص قلة الخبرات والتخصصات المؤهلة والمطلوبة لإدارة مشاريع بنية تحتية تتجاوز 400 مليار سنوياً، وهي نتيجة منطقية نظراً لأن هدف ودور القطاعات الحكومية يتمثل في تقديم خدمات للمواطنين وليس في تنفيذ مشاريع، الأمر الذي يجعل هذه القطاعات تركز على تنمية قدراتها وخبراتها في تقديم خدمة أفضل للمواطن، وليس في تنمية قدراتها وخبراتها في تنفيذ أفضل للمشاريع. وهذه الفجوة المتمثلة في عدم قدرة القطاعات الحكومية على تخطيط وإدارة وتنفيذ المشاريع بالشكل المطلوب، أدى إلى لجوء القيادة العليا إلى جهات أخرى أكثر كفاءة لتنفيذ مشاريع بنية تحتية وغيرها، كما حصل مع مشروع جامعة الملك عبد الله. وهذه المبادرة تؤيد ما ذهبنا إليه سابقاً في طرحنا حول الحاجة إلى إنشاء هيئة عامة للمشاريع (''الاقتصادية'' عدد 5915 وتاريخ 21/12/2009). 2. في المشاريع الحكومية، يسيطر نظام المشتريات الحكومية على بنود وشروط التعاقد بين المقاول والجهة الحكومية، وخصوصاً في حالة التعاقد مع شركة مقاولات محلية (هناك استثناءات عند التعاقد مع شركات خارجية). ويعد نظام المشتريات الحكومي، نظاماً ذا صبغة إذعانية، حيث يعطي هذا النظام قوة وسيطرة للجهة الحكومية من عدة نواحٍ. فمن خلال هذا العقد، يستطيع القطاع الحكومي إيقاف أي مشروع وفي أي وقت، ويستطيع كذلك تأخير أو حتى إيقاف دفعات الشركات لأي سبب يراه. فحسب نظام المشتريات الحكومي، يتم التعامل مع حقوق والتزامات أطراف المشروع بشكل مختلف وغير متساو. وفي ظل مثل هذه الظروف، كيف نتوقع من أي مقاول العمل وتنفيذ المشاريع بالشكل الأكمل والأمثل. 3. في نظام المشتريات الحكومي، وحسب الممارسات الحالية، لا يتم النظر والتعامل مع الشركات والمقاولين كشركاء استراتيجيين، وإنما كطرف خارجي، وأحياناً كأنه خصم، وغير موثوق به. 4. في ظل الممارسات الحالية في المشاريع الحكومية، تتعدد الجهات والأشخاص التي تتعامل مع الشركات والمقاولين، سواءً من داخل الجهات الحكومية مثل إدارة المشاريع أو إدارة العقود والمشتريات أو إدارة الشؤون المالية، أو من جهات خارجية مثل المكاتب الاستشارية. وهذه الممارسات والتدخلات غير المنظمة وغير الاحترافية تؤدي إلى تشتت الشركات والمقاولين، الأمر الذي ينعكس سلباً على أداء وسير المشاريع. 5. كيف نفسر نجاح الشركات والمقاولين في المشاريع السابقة، مع ''أرامكو'' وغيرها، بينما تفشل هذه الشركات مع بعض الجهات الحكومية؟ والمنطق هنا يحتم فرضية عدم وجود مشكلة لدى المقاولين بقدر ما هي موجودة وبشكل كبير لدى الجهات الحكومية للأسباب التي تم ذكرها في 1-4 سابقاً. كما أن جدلية ضرورة الاعتماد على الشركات العالمية فقط لم يثبت عدم صحته وجدواه فقط، ولكن بينت خطورة الدعوة إلى الاعتماد كلياً على الشركات العالمية في قطاع المقاولات ووقف الاستثمار ودعم قطاع المقاولات المحلي، وخصوصاً على المدى الطويل. وإذا رأينا قطاع الشركات المتخصصة في بناء الطرق، نرى أن هناك قدرات وطنية أفضل مما هي موجودة في القطاعات الأخرى، مما يعني دعم ومشاركة وزارة النقل والمواصلات لهذا القطاع. 6. أما انتشار المشكلات والخلافات القانونية والمالية بين القطاعات الحكومية وشركات المقاولات وغيرها، التي يعج بها ديوان المظالم وغيره، فهي دليل على وجود ضعف وقصور في نظام التعاقد، وعمل الأطراف في بيئة وجو غير صحي وغير فاعل. 7. وهناك قصور وخلل في نقل وتوطين المعرفة في بعض المشاريع الحكومية. وهذا الحديث ينطبق على جميع المشاريع بأنواعها، بنية تحتية أو غيرها. فعلى سبيل المثال مشروع تطوير مناهج الرياضيات والعلوم الطبيعية في التعليم العام الذي تعول عليه وزارة التربية والتعليم كثيراً في إحداث نقلة نوعية في التعليم، الذي نتمنى جميعاً – كمواطنين وكأولياء أمور – أن يسهم في الرفع من المستوى الفكري والمهاري والمعرفي لأبنائنا، هذا المشروع خصص له أكثر من 900 مليون ريال، وكنا نعتقد أن ترجمة مناهج شركة ماجروهيل، وهي من أهم مراحل المشروع، ستتم من خلال خبرات وطنية، إلا أننا فوجئنا بأن أعمال الترجمة تمت في دولة عربية أخرى بعيداً عن الوطن والمواطنين. وهذا المشروع وغيره من مشاريع القطاعات الحكومية، لن يجدي نفعاً طالما لا توجد منهجية واستراتيجية لنقل وتوطين المعرفة. وستتطرق لهذا الموضوع في مقالات مقبلة. وبعد هذا التحليل والبناء المنطقي لوضع وممارسات المشاريع الحكومية، والدروس المستفادة من منهجية وطريقة تخطيط وإدارة وتنفيذ مشاريع وطنية ضخمة كجامعة الملك عبد الله والأميرة نورة والمركز المالي، ألسنا في حاجة ماسة إلى إعادة النظر جدياً في وضع وممارسات تخطيط وإدارة وتنفيذ مشاريع القطاعات الحكومية. والحل العملي والوحيد، الذي نراه، يتمثل في إنشاء هيئة حكومية عامة للمشاريع، تقوم بمتابعة ودعم المشاريع الحكومية، وتعمل مع القطاع الخاص كشريك استراتيجي. وللحديث بقية...
إنشرها