Author

علاقة الشركة بالمؤسسات الحكومية

|
لعل العلاقة بين الشركة والمؤسسات الحكومية هي من أكثر العلاقات تعقيداً في عالم الأعمال. كثيرون في الماضي كانوا يعتبرون ''الشركة'' مكملة للمؤسسات الحكومية ومن ذلك كانت الهياكل التنظيمية المبدئية للشركة مبنية على النموذج الحكومي عندما كانت فكرة الشركة في المهد. بعد ذلك تطورت الفكرة لتصبح الشركة منافسة للمؤسسات الحكومية تستطيع تقديم حلول أفضل وأكثر سرعة من المؤسسة الحكومية وذلك لتطور أعمالها بسبب المنافسة والبحث عن الربحية وهي معطيات لا توجد في العمل الحكومي. ولعلنا نقسم العلاقة مع المؤسسات الحكومية إلى عدة أقسام: القسم الأول هو عمل المؤسسة الحكومية كمشرع للشركة وذلك مثل وزارة التجارة ووزارة الصناعة ووزارة الصحة وغيرها حيث تضع المؤسسة الحكومية القوانين التي تسمح للشركة بمزاولة العمل التجاري، تتأكد من تقيد الشركات بتلك القوانين و من ثم تمنحها التراخيص اللازمة لمزاولة العمل. كذلك تقوم هذه المؤسسات الحكومية بإيقاف الشركة عن العمل، عن طريق إيقاف التراخيص، عند مخالفتها للقوانين. والقسم الثاني هو تنظيم عمل الشركة وذلك مثل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة المدن الصناعية و هيئة الغذاء و الدواء وغيرها من الهيئات التي تقنن كيفية عمل الشركات مع المنافسين ومع العملاء بوضع آليات منظمة لهذه العملية التجارية. هذه المؤسسات الحكومية تتميز بصغر حجمها وتركيزها على تطبيق التشريعات و تحفيز الشركات مع حماية المستهلك. وهي تلعب دورا مكملا للوزارات ذات المسؤولية. القسم الثالث هو عمل المؤسسة الحكومية كحكم مثل المؤسسة القضائية حيث تحكم بين الشركات وبعضها البعض أو الشركات والأفراد أو الشركات والمؤسسات الحكومية وبذلك قد تكون المؤسسات الحكومية هي الخصم والحكم في الوقت ذاته. هذا العمل لا ينحصر في القضاء و لكنه يمتد لكثير من المؤسسات الحكومية التي لديها لجان لفض المنازعات كوزارة العمل، مثلا. القسم الرابع هو أن تكون الشركة مكملة للعمل المؤسسي الحكومي أو العكس وذلك مثل أن تعهد المؤسسة الحكومية (مثلاً: وزارة الصحة) بنسبة كبيرة من الخدمات الصحية للشركات وذلك تكميلاً للدور الذي تلعبه، ومثل ذلك وزارة المعارف مع المدارس والجامعات الخاصة. ويمكن أن يرى هذا كاعتراف من المؤسسة الحكومية بعدم قدرتها على أداء دورها بشكل متكامل. كذلك يمكن أعتبار هذا التوجه رغبة من المؤسسة الحكومية بتفعيل وبتحفيز دور القطاع الخاص في النتمية الاجتماعية. القسم الخامس هو أن تلعب المؤسسة الحكومية دور المورد للشركة بخدمات تختص المؤسسة في تقديمها وذلك مثل البريد أو الماء أو غيره حيث تكون العملية بين المؤسسة الحكومية والشركة هي عملية تجارية بحتة. بعض هذه الخدمات مستمرة بطبعها مثل البريد و بعضها يقدم عند الحاجة فقط، مثل الجوازات. القسم السادس هو أن تلعب المؤسسة الحكومية دور العميل للشركة، وذلك مثل أن تقوم شركة ما بتركيب الأنظمة الحاسوبية لمؤسسة حكومية، أو أن تقوم شركة ما بتقديم خدمات استشارية لمؤسسة حكومية . كذلك مثال ذلك بناء الطرق والمستشفيات والمدارس. وبسبب كبر حجم القطاع الحكومي و نسبة تأثيره في الناتج المحلي للسعودية، فإن هذه العلاقة هي محرك رئيس لأداء القطاع الخاص. القسم السابع هو أن تكون هنالك منافسة بين المؤسسة الحكومية والشركة ومثال ذلك توصيل الطرود البريدية في السعودية حيث تنافس مؤسسة البريد عدة شركات وكذلك الخطوط السعودية والتي تواجه منافسة من أكثر من شركة قبل تخصيصها. ولعل ما قام به البريد من السماح للقطاع الخاص بالمشاركة في إيصال البريد للعملاء من مكاتب البريد الخاصة ومن ثم تركيب صناديق بريد لكل العناوين البريدية وإلزام المكاتب الخاصة برفع أسعار مشتركيها على عملائها لكي تتمكن من إقناع العملاء باستخدام صناديقها الخاصة وما لحق ذلك من عدم تقبل للمجتمع لتلك الصناديق، يقدم للباحث مادة جيدة لدراسة هذه العلاقة بين المؤسسة الحكومية والشركة. القسم الثامن هو أن تكون المؤسسة الحكومية الداعم للشركة ويتضح ذلك بشكل أكبر عند قيام الشركة بمنافسة شركات أخرى خارج بلدها الأم، حيث تقوم المؤسسات الحكومية مثل السفارات ووزارة التجارة بدعم تلك الشركات. كذلك يتضح ذلك عند قيام المؤسسة الحكومية بالاشتراط على الشركات العالمية بتطوير شركات محلية عند الفوز بالعقود ذات المبالغ الكبيرة مما يدعم الشركات المحلية. وخير مثال لذلك هو برنامج التوازن الاقتصادي والذي قامت به وزارة الدفاع قبل عدة سنوات و نتجت منه عدة شركات تثري اليوم السوق السعودية. القسم التاسع هو قيام المؤسسة الحكومية بإمداد القطاع الخاص بالمعلومات و البيانات التي يحتاج إليها للقيام بعمل على أحسن وجه. هذه المعلومات يمكن أن تستخدم بالتخطيط طويل المدى (كتعداد السكان والدخل وعدد المنشآت...) أو قصير المدى (الميزانية الحكومية و المشاريع المعتمدة...). هذه المعلومات تأتي من كافة الوزارات وبخاصة وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني. القسم العاشر هو أن تقوم الشركة بدعم المؤسسة الحكومية ومثل ذلك عندما يقوم أحد البنوك بتقديم قرض لأحد المؤسسات الحكومية أو تقديم غطاء مالي لعملية ما. ومثال آخر هو قيام الشركة بالتبرع لأحدى المؤسسات الحكومية المتخصصة في الإعمال الاجتماعية مثل رعاية المعوقين. ومن كل ذلك يتضح مدى تعقيد هذه العلاقة والاعتماد المتبادل بين كل من المؤسسة الحكومية والشركة لكي يتأكد أن نجاح أي منهما سيعود بالتأكيد إن شاء الله على نجاح الآخر والعكس صحيح . ولعل غير الصحي في هذه العلاقة هي استهداف أي من الطرفين للآخر لأجل مصالح أو أنظمة بيرقراطية مما ينتج عنه ضرر للعملية الاقتصادية و تكاملها في المجتمع. ولتطوير هذه العلاقة يجب دراستها بشكل مفصل وتحديد نقاط القوة والتحسن و من ثم بناء الخطط النموية لتقوية تلك العلاقة. ولعل أنسب من يقوم بهذه الدراسة هي الجامعات و المعاهد الأكاديمية السعودية. خبير استراتيجي
إنشرها