الشأن النفطي في ضوء خطاب الملك

بمناسبة افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خطاباً إلى الشعب السعودي والأمة العربية أوضح فيه المعالم الرئيسية للسياسة السعودية الداخلية والخارجية. ويهمنا في هذا المقال الإشارة إلى ما جاء في خطاب الملك حول الشأن النفطي حيث قال ـ يحفظه الله ـ (لقد استمرت المملكة في نهجها المعتدل تجاه الوضع البترولي العالمي وسعت في أعقاب الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية للحد من تداعيات تلك الأزمة على استقرار أسواق البترول ومصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، وقد أثمرت تلك السياسة في الحد من التقلبات الضارة في الأسعار، كما أسهمت في زيادة دخل الدولة من البترول عن تقديرات الميزانية، وسنواصل نهج الاعتدال والمحافظة على تلك الثروة التي حبانا الله واستغلالها أفضل ما يمكن لمصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية).
وفي ضوء هذه الكلمات التي أوضح بها خادم الحرمين الشريفين ملامح السياسة النفطية السعودية أود أن أسرد بعض أبرز التطورات والإنجازات المتحققة في قطاع النفط والغاز وذلك على النحو التالي:
أولا: أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في تصريحات صحافية سابقة أن 70 إلى 80 دولاراً للبرميل سعر معقول للنفط، وأن سعر النفط يجب أن يكون مشجعاً للمنتجين على مواصلة الإنتاج والاستثمار ومن زيادة الطاقة، وأن يكون ملائماً للمستهلكين أيضاً.
ثانياً: شهد عام 2009م ارتفاعاً تدريجياً في أسعار النفط، فبعد أن هبطت الأسعار في بداية العام المذكور إلى نحو 30 دولاراً بسبب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وصلت إلى نحو 75 دولاراً في نهاية العام المذكور ثم وصلت إلى نحو 80 دولاراً بداية عام 2010م وقد أدت منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة السعودية دوراً مهماً في إعادة الأسعار إلى هذا المستوى المقبول نتيجة للسياسة الإنتاجية التي اتبعتها والتي أعادت بموجبها التوازن بين العرض والطلب، حيث قررت ''أوبك'' في قراراتها التي اتخذتها على مدار عام 2009م الإبقاء على الحصص الإنتاجية عند مستويات العام السابق الذي شهد أكبر خفض في الحصص وصل إلى 4.2 مليون برميل يومياً كان لها دور مهم في الحفاظ على الاستقرار في السوق النفطية العالمية.
ثالثاً: أفادت بعض التقارير الإعلامية أن متوسط سعر الخام العربي الخفيف السعودي سجل 77.9 دولار للبرميل في كانون الثاني (يناير) 2010م ويرى بعض الخبراء أن السعر يزيد بنحو 27 دولاراً على السعر الذي بنيت عليه الميزانية العامة للدولة وهو 50 دولاراً للبرميل.
رابعاً: تم في عام 2009م الانتهاء من إنشاء شبكة برنامج الخزن الاستراتيجي للمشتقات النفطية وتوفيرها لجميع القطاعات في السعودية بهدف استخدامها في أوقات الأزمات والطوارئ. وأصدرت شركة أرامكو السعودية بياناً قالت فيه إن مشروع الخزن الاستراتيجي عزز قدرة الشركة على تلبية احتياجات السوق المحلية من هذه المنتجات في الظروف الموسمية والطارئة، وأتاح المخزون مرونة عالية في جدولة أعمال صيانة المصافي وتلافي أي نقص في إمداد المستهلكين بالمنتجات النفطية، كما أشارت إلى أن شبكة الأنابيب الضخمة التي تربط مواقع الخزن الاستراتيجي بمواقع الإمداد في (أرامكو السعودية) وفرت الكثير من النفقات، وأن شبكة الأنابيب ستسهم في تقليل نقل الوقود بواسطة الناقلات البرية والحد من وقوع الحوادث وتقليص الخسائر الناجمة عن حركة الناقلات في طريقها من وإلى مخازن الوقود.
خامساً: أكد المهندس خالد الفالح الرئيس التنفيذي لشركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) أن الشركة تعتزم استثمار نحو 120 مليار دولار خلال خمس إلى ست سنوات مقبلة في مشاريع في قطاعي النفط والبتروكيماويات، وأن النمو التدريجي في الطلب سيأتي من الصين والهند والشرق الأوسط، كما أن الشركة وصلت إلى الهدف المنشود من الطاقة الإنتاجية 12.5 مليون برميل يومياً، وأن وصول الطاقة الإنتاجية للشركة إلى هذا المستوى يمنح مرونة غير مسبوقة للمملكة وشركة أرامكو في التعامل مع السوق في المستقبل ''سيما بعد أن شهدت أسعار النفط تحسناً بشكل كبير خلال العام الماضي، كما أكد أن شركة أرامكو جاهزة لجميع الاحتمالات من خلال توفير الطاقة للعالم، وأن الشركة مستمرة في برنامج طموح لاكتشاف النفط في جميع أرجاء المملكة والأماكن السعودية المغمورة في البحار.
سادساً: كشف المهندس خالد الفالح رئيس شركة أرامكو السعودية أن الشركة ستبدأ خلال العامين المقبلين أعمال الحفر والاكتشاف في المناطق العميقة في البحر الأحمر التي تتوقع شركة أرامكو السعودية أن تكشف عن حقول جديدة، مشيراً إلى أن الأعمال الاستكشافية لحقول النفط والغاز في السعودية في ارتفاعا مستمرا عاماً بعد عام.
سابعاً: من ناحية أخرى قال المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية إن المملكة وقعت اتفاقاً لتخزين ملايين النفط في مستودعات تجارية في اليابان دون مقابل، وأن هذه الخطوة ستكون انطلاقة كبيرة لأن آسيا ستصبح سوقاً ضخمة للنفط.
ثامناً: في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009م قررت شركة أرامكو السعودية إدخال مؤشر أرجوس لقياس متوسط أسعار خامات نفط خليج المكسيك في آليات حساب تسعير النفط المصدر لأمريكا اعتباراً من كانون الثاني (يناير) 2010م، بدلاً من مؤشر أسعار خام غرب تكساس الصادر عن بورصة (نايمكس), وجاءت هذه الخطوة بعد تباين أسعار مؤشر خام تكساس مع متوسط أسعار خام نفوط خليج المكسيك ما أدى إلى تذبذبات في طريقة احتساب أسعار الخام المصدر إلى الولايات المتحدة. ووصفت بعض المصادر النفطية هذا القرار بأنه (قرار موفق) لأن نفط تكساس لم يعد له علاقة بالأسواق العالمية فهو لا ينتج إلا في أمريكا ويستهلك معظمه داخل أمريكا، وأن خام غرب تكساس مع وجود فائض فيه يتسبب في انخفاض سعره مقارنة بالأسعار العالمية وبالتالي فإن الأخذ به أصبح مجحفاً بحق النفط السعودي، وأن مؤشر (أرجوس) سيكون أكثر عدالة في تسعير النفط السعودي.
تاسعاً: في 4/2/1431هـ الموافق 19/1/2010م صرح علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية أنه لظروف قدرتها الحكومة السعودية فقد قررت إلغاء طرح مشروع إنشاء مصفاة جازان في منافسة بين شركات القطاع الخاص وإسناد تنفيذه إلى شركة أرامكو السعودية.
عاشراً: أعلن المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية الأربعاء 10/3/1431هـ الموافق 5/2/2010م عن اكتشاف شركة أرامكو السعودية حقلا للغاز الطبيعي في منطقة حزم الجلاميد في المنطقة الشمالية من المملكة، وأضاف النعيمي (أن الاختبارات الأولية أظهرت إمكانية استغلال الغاز تجارياً وتطويره). ويقع الحقل المكتشف على بعد 95 كيلو متراً شرق مدينة طريف، وأشار إلى ''أنه تم اختبار مكمن الصنارة في بئر جلاميد 3 على عمق 9795 قدماً، حيث تدفق الغاز بمعدل 21.1 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم.
وقال (إنه يمكن أن ينتج هذا البئر كميات أكبر من الغاز تحت ظروف الإنتاج العادية، وسيستمر تقييم كميات الغاز في هذه البئر).
وتنتج المملكة حالياً 8.8 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم، لكنها ستضيف 4.2 مليار قدم مكعب قياسي يومياً في نهاية العقد المقبل. وستتحول المملكة إلى واحدة من أكبر منتجي الغاز في العالم، عندما يصل حجم إنتاجها اليومي من الغاز إلى 13 مليار قدم مكعب قياسي في عام 2020م، بحسب توقعات المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية. وقال النعيمي في وقت سابق إن التحول السعودي في إيجاد موارد طبيعية تضاف إلى البترول التي تعد أكبر دولة مصدرة له في العالم، لم يقتصر على الإنتاج اليومي من الغاز، بل ستشهد احتياطيات السعودية من الغاز، ارتفاعاً يبلغ خمسة تريليونات قدم مكعب، إضافة على الأقل من احتياطيات الغاز غير المصاحب في 2010م، لتضاف على الاحتياطي الحالي البالغ 263 تريليون قدم مكعب، وهو يعني أن احتياطي المملكة من الغاز الطبيعي سيرتفع ليصل إلى 268 تريليون قدم مكعب في عام 2020م. وتشير بيانات ''أرامكو'' إلى زيادة بنحو 4 في المائة في احتياطيات الغاز في عام 2008م مقارنة بعام 2007م. ومن المتوقع أن ينتج حقل غاز ''كران'' البحري 1.8 مليار مكعب من الغاز يومياً، حيث منحت المملكة العام الماضي عقود الحقل، وهو أول حقل بحري للغاز غير المصاحب للنفط في البلاد.
حادي عشر: في 17/3/1431هـ الموافق 3/3/2010م دشن المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية ونظيره الكويتي الشيخ أحمد العبد الله الصباح مشروع تطوير المرحلة الأولى لحقل الخفجي الواقع في المنطقة المحايدة المقسومة بتكلفة 1.5 مليار دولار، وهو مشروع مشترك بين شركة أرامكو لأعمال الخليج والشركة الكويتية لنفط الخليج، ويهدف المشروع إلى استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة المشتركة وأهمها الغاز المصاحب لإنتاج النفط، الذي قدرته الدراسات بـ 120 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، والتعامل مع زيت خام حقل الخفجي وفرز الزيت عن الغاز، مع المحافظة على الطاقة الإنتاجية للحقل لتكون 300 ألف برميل يومياً.
وقال المهندس نزار محمد العدساني رئيس لجنة عمليات الخفجي المشتركة إن عمليات الخفجي المشتركة تسعى لاستغلال أمثل للثروات الهيدروكربونية بما يخدم مصلحة البلدين الشقيقين، عملاً باتفاقية التقسيم المبرمة بين البلدين الكويت والسعودية، وأضاف أن (ما تم تحقيقه في هذه المرحلة القصيرة من عمر العمليات المشتركة، ما هو إلا نتاج للتفاهم المشترك بين القائمين على إدارة الشركتين في عمليات الخفجي المشتركة (أرامكو لأعمال الخليج) و(الشركة الكويتية لنفط الخليج). وخلال حفل تدشين المشروع تم التوقيع على الاتفاقية المتعلقة بإدارة تشغيل عمليات الخفجي المشتركة المتعلقة بإنتاج النفط والغاز في المنطقة المقسومة المغمورة والتي تتقاسم فيها الدولتان (السعودية والكويت) الثروات الطبيعية من النفط والغاز وفقا لأحدث الأساليب المتعلقة بتطوير الحقول وبأقل التكاليف وبما يضمن المحافظة على السلامة البيئية).
تلك بعض أبرز التطورات والإنجازات المتحققة في مجال النفط والغاز أحببت استعراضها كمؤشرات ونتائج ايجابية للسياسة النفطية السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي