Author

هل إعادة تدويرغاز ثاني أوكسيد الكربون بديل عن تخزين الكربون؟

|
لقد أشاد الكثيرون بتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه بوصفها التكنولوجيا التي يمكن أن تستجيب إلى الموضوع الأكثر إلحاحا في العالم اليوم: ماذا يفعل العالم بنحو 27 مليار طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث سنويا من حرق الوقود الأحفوري؟ إن 27 مليار طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث سنويا هي بالفعل كمية ضخمة، لكن جميع الدراسات ذات الصلة تتوقع أن تصل انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من مصادر الطاقة إلى أكثر من 40 مليار طن سنويا بحلول عام 2030، أي بزيادة قدرها 60 في المائة. كما أشار تقرير صدر حديثا عن الوكالة الدولية للطاقة، أن تقديرات الطلب المتزايد على الطاقة من الدول العملاقة الناشئة مثل الصين والهند، إلى جانب عدم وجود بدائل فاعلة لأنواع الوقود الأحفوري يعني أنه بحلول عام 2050، 77 في المائة من الطاقة في العالم ستظل تعتمد على الوقود الأحفوري. هذا ما يتطلب اتخاذ إجراءات فورية وتطور تكنولوجي على نطاق واسع غير مسبوق للحد من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. في هذا المجال حدد الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه باعتبارها التكنولوجيا التي من شأنها أن تسهم إسهاما كبيرا في تخفيف نمو انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض. وحسب تقديرات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، فإنه بحلول عام 2050 يمكن احتجاز نحو 20 إلى 40 في المائة من الانبعاثات العالمية لغاز ثاني أوكسيد الكربون من الوقود الأحفوري، بما في ذلك 30 إلى 60 في المائة من انبعاثات البلدان المتقدمة صناعيا. وقد بيّن هذا الفريق أن لهذه التقنية القدرة على احتجاز وتخزين بين 200 و2000 Giga-tons من غاز ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2100. هذا يمثل ما يقارب 15 إلى 55 في المائة من الجهد العالمي اللازم لتخفيف وتثبيت تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض. إضافة إلى ذلك، في عام 2008 حددت وكالة الطاقة الدولية التقنيات المنخفضة الكربون اللازمة لتحقيق الاستقرار في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون على المستوى المستهدف البالغ 450 جزءا في المليون. ولتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وحدها، أوصت إلى أنه في المتوسط؛ يجب أن تكون سنويا 35 محطة كهربائية تعمل بالفحم و20 محطة تعمل بالغاز الطبيعي مزودة بتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، بين عامي 2010 و2050. على الرغم من أن مفهوم وأهمية تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه معروفة جيدا، وعلى الرغم من أن هذه التقنية توصف بأنها أكثر الحلول الواعدة اليوم للتعامل مع غازات الاحتباس الحراري التي يمكن أن تكون مسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض, إلا أن هذه التقنية لا تزال غير مؤكدة على النطاق التجاري الواسع وعالية التكلفة في الوقت نفسه، ولن تكون متاحة على النطاق التجاري قبل 10ـ 20 عاما. حيث إن إضافة تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه إلى الجيل المقبل من محطات توليد الطاقة في الاتحاد الأوروبي قد يرفع أسعارها بنسبة تصل إلى 1.3 مليار دولار لكل منهما. كما تشير معظم الدراسات إلى أن تكلفة المشروع النموذجي للاحتجاز والتخزين من المرجح أن يكون في حدود 80 إلى 120 دولارا أمريكيا للطن الواحد من غاز ثاني أوكسيد الكربون المحتبس. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، سيتم تخصيص نحو 2.4 مليار دولار لاستخدامها في توسيع وتسريع نشر تقنيات احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه على نطاق تجاري. من أجل تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي الطموحة في مجال احتجاز الكربون وتخزينه في أوروبا يجب إعطاء الأولوية إلى أبحاث الانتقال من المشاريع الرائدة إلى المشاريع على النطاق التجاري. حيث إن هناك حاجة إلى ما يصل إلى 12 من المشاريع على النطاق التجاري بحلول عام 2020. لتحقيق هذا الهدف وتحقيق الجدوى الاقتصادية ينبغي استثمار ما يقرب من 13 مليار يورو إضافية خلال هذا العقد. إضافة إلى ذلك، من الناحية القانونية، هناك لا تزال مخاوف بشأن ما إذا كان النقل والتخزين الطويل الأجل لغاز ثاني أوكسيد الكربون له آثار ومخاطر على الإنسان وعلى البيئة، كما أن هناك قلقا بشأن من المسؤول النهائي إذا ما حدث تسرب. على الرغم من وجود تقدم حاليا في بعض البلدان في هذا المجال، لكن لا يوجد إلى الآن أي بلد وضع إطارا قانونيا وتنظيميا شاملا ومفصلا يمكن من خلاله التحكم بفاعلية في مشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه. في الواقع، لا يوجد في الوقت الحاضر أي مشروع واسع النطاق ومتكامل لاحتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه من محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة بالفحم. إذن لماذا نقل وتخزين غاز ثاني أوكسيد الكربون بتكاليف باهظة تحت الأرض، عندما يمكن تحقيق أرباح من إعادة تصنيع أو تدويرغاز ثاني أوكسيد الكربون Recycling Carbon بعد عملية الاحتجاز؟ لذلك في الوقت الحاضر يسعى العلماء أيضا إلى استكشاف بدائل لتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، من خلال الاستفادة من الغاز كسلعة بدلا من التعامل معه كمصدر للنفايات. لقد توصلت إحدى الشركات المتخصصة بأبحاث الطاقة إلى تقنية جديدة لإعادة تدويرغاز ثاني أوكسيد الكربون لإنتاج مواد ذات قيمة عالية، أطلق على هذه التقنية أسم الاختزال الكهربائي لغاز ثاني أوكسيد الكربون electro-reduction of carbon dioxide. التقنية الجديدة تتضمن التفاعل الكهربائي لغاز ثاني أوكسيد الكربون المحتجز مع الماء لإنتاج مواد ذات قيمة عالية، مثل حامض الفورميك، أملاح الفورمات، فورمات الأمونيوم، حامض الأوكساليك والميثانول الذي يتم الحصول عليه تقليديا أيضا من معالجة الوقود الأحفوري حراريا. لكن التقنية الجديدة لديها ميزة على الطريقة التقليدية لتحويل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى وقود سائل. حيث إن في الطريقة التقليدية يحتاج التفاعل إلى حرارة عالية يتم الحصول عليها عادة عن طريق الوقود الأحفوري، في حين التقنية الجديدة تعمل بدرجات الحرارة العادية والطاقة الكهربائية التي يمكن أن تجهز من مصادر مختلفة، رياح، مساقط مائية، شمسية، نووية، إضافة إلى الوقود الأحفوري. حسب الشركة المنتجة لهذه التقنية، إعادة تدويرغاز ثاني أوكسيد الكربون يمكن أن يحقق عوائد تصل إلى نحو 700 دولار أمريكي للطن الواحد من غاز ثاني أوكسيد الكربون المحتبس. مقارنة بتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، التقنية الجديدة توفر عائدا إيجابيا على الاستثمار، وليس تكلفة غير قابلة للاسترداد كما هو الحال في حالة التخزين فقط. كما أن إضافة وحدة ريادية يمكن تركيبها في غضون عام واحد ومشروع على النطاق التجاري في غضون عامين، أسرع بكثير من مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه، على حد قول الشركة المصنعة. في الوقت الحاضر تدير وزارة الطاقة الأمريكية مركز أبحاث أنشئ لتطوير العلوم والتكنولوجيات التي تدعم أمن الإمدادات والبيئة، القائمون على هذا المركز من أكثر المدافعين عن أن إعادة تدوير الكربون هو الطريق الأمثل للمستقبل. الخيارات التي يجري تطويرها في العالم بخصوص تقنية تدوير الكربون تختلف اختلافا كبيرا من بلد إلى آخر، هذه تشمل التحويل البيوكيماوي لغاز ثاني أوكسيد الكربون إلى وقود حيوي من الطحالب، التحويل الحراري إلى الميثانول، التحويل الحيوي بوجود عامل مساعد إلى وقود أو التحويل الشمسي بوجود عامل مساعد إلى وقود. كل من هذه الخيارات لديها مجموعة من المزايا والعيوب، كما أن بعضها أكثر واقعية من غيرها. لكن هذه التقنيات لا يزال بعضها في مرحلة البحث والتطوير والبعض الآخر في مرحلة الإنتاج الريادي، وسيمضي وقت قبل أن تصبح جاهزة على المستوى التجاري. مع ذلك، وجود مجموعة من الحلول المتقدمة يعد ضروريا للتعامل مع مليارات الأطنان المنبعثة سنويا من غاز ثاني أوكسيد الكربون نتيجة حرق الوقود الأحفوري، من دون شك أن تقنية إعادة تدوير الكربون من المقدر لها أن تكون واحدة من هذه الحلول، حيث إنها تمثل فرصة تجارية أيضا.
إنشرها